احمد الصراف

سكر الإرادة

سألني قارئ شبه صديق: أنت وين عايش؟ ألا ترى ما يحدث في الوطن؟ أليس لك رأي؟ نحن بحاجة لآراء أمثالك! قلت له، في مكالمة خارجية على حسابي، طالت كثيرا: يا سيدي عتبك على الراس، ولكن ما فائدة «الحكي وطق الحنك» عندما يصم كل طرف أذنيه، ويصر على موقفه؟ فصوت العقل قد غاب عن الساحة منذ فترة، والكل، بلا استثناء، مخطئ، ولكن يمكن القول، وإن بحذر، ان هناك خطأ وهناك خطيئة، وحتى هنا لا يمكن الجزم بصورة قاطعة خطأ من أقسى وأمر من غيره! وقلت له انني أحاول أن ألهي نفسي، وربما قرائي، بمواضيع وكتابات أبعد ما تكون عن السياسة، لعل وعسى تساعد في تبريد القلوب وتهدئة النفوس الثائرة، بعد أن أفقدنا صراعنا على السلطة والمال والنفوذ ما تبقى من منطق لدينا، واصبحنا سخرية، وبالذات لدى من كنا بالأمس القريب لهم قدوة ومثالا يحتذى! ولكنه اصر على رأيه، وهنا، كان لا بد من تلبية طلبه ووقف النزيف المالي، وكان هذا المقال!
تعتبر الفطائر الدانمركية الأكثر شهرة عالميا في عالم المعجنات، ويقال ان اصلها يعود للعاصمة النمساوية فيينا، فتسمياتها، حتى في الدانمرك، وخلطاتها نمساوية، ولكن هذا لن يغير شيئا، والقصة تعود لعام 1850 عندما اضرب عمال المخابز عن العمل فاستعان اصحابها بعمال من فيينا، وجاء هؤلاء مع خبراتهم وخلطاتهم، التي تطورت مع الوقت واصبحت دانمركية بقدر ما كانت نمساوية!
تصنع المعجنات من طحين القمح والخميرة والحليب والبيض مع كثير من الزبدة، وأحيانا كثيرة تستخدم الزيوت النباتية في صنعها، كما تضاف اليها محسنات كالهيل وطبعا الكثير من السكر. وتضاف الى أنواع منها مكسرات أو فواكه طازجة أو مجففة وشوكولاتة الكاكاو ومواد لذيذة أخرى.
وما يجعل الفطيرة الدانمركية هشة ولذيذة ما تتعرض له من تكرار في العجن والطي والتبريد تحت درجات منخفضة! وقد ساهم في شهرة الفطائر الدانمركية غنى الدانمرك بالحليب والزبدة والقمح، إضافة إلى أن الشعب الدانمركي كان يوما المستهلك الأكبر للسكر في العالم، مقارنة بحجمه الصغير، فقد كانت بلاده في القرن السادس عشر تمتلك مزارع قصب سكر ضخمة في جزر الهند الغربية، وكان السكر يتوافر في كل بيت بكميات كبيرة في الوقت الذي كان فيه شحيحا وغاليا في غالبية الدول الأوروبية الأخرى. وقد اكتشفت حكومة الدانمرك، غير الرشيدة طبعا، مضار استهلاك السكر، وسعت لحرمان شعبها منه بإضافة «ضريبة سكر» عالية عليه، وأدى هذا لرفع اسعار الحلويات والكيك وشكولاتة الكاكاو لمستويات عالية جدا، وبالتالي قلّ الاستهلاك بشكل واضح، ولم يكن غريبا بالتالي تقدم الدانمرك لاحقا في صناعة دواء مرض السكر، أو الانسولين بحيث اصبحت الدولة الأكبر والأفضل في انتاجه. والآن هل هناك أمل بأن تقوم حكومات دولنا الخليجية، الرشيدة طبعا، مقارنة بغير الرشيدة، مع كل ما نشكو منه من سمنة مفرطة وكسل عجيب، وعدد إصابات بمرض السكر هو الأعلى في العالم، بفرض ضريبة عالية على السكر، وتوجيه المبلغ المحصل لزيادة وعي المواطن، او حتى إعادته له، بعد أن فقدنا جميعا وعينا؟ لا طبعا، لن يحدث شيء من هذا، خاصة بعد فقد جماعة ساحة الإرادة لوعيهم بسبب قلة الحضور.
أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

احمد الصراف

إدارة الإعمال – جامعة الدول العربية – بيروت 1974 / الدراسات المصرفية والتدريب في بنك باركليز – لندن 1968 / البنك الوطني في فيلادلفيا – فيلادلفيا 1978 / الإدارة المصرفية – كلية وارتون – فيلادلفيا 1978
email: [email protected]

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *