بعد المذكرة، الفضيحة، التي رفعتها موظفة إدارة الرقابة على الجمعيات الخيرية لوكيل الوزارة، ضد أحد كبار مسؤولي الجمعيات، الذي تعرض لها بالإهانة، لأنها كشفت مخالفاتهم، وضد مديرها المباشر في الوزارة الذي رفض اتهاماتها ورفض التعاون معها، وفي محاولة من الأخير، ربما لرد الاعتبار لنفسه، قام السيد بدر العوضي، مدير إدارة الجمعيات الخيرية في الشؤون، بالتصريح للصحف (القبس 8/30) بأن الوزارة «رصدت» قيام سياسيين بجمع مساعدات لسوريا وبورما، من دون إذن! وأن هناك مخالفات لجمعيات في رمضان الماضي! وهنا، بدأت الضغوط النيابية على الشؤون لطمطمة مخالفات التبرعات «السياسية»، وصدرت الأوامر بمنع العوضي من الإدلاء بأي تصريحات إعلامية!
يذكر أن هذه المخالفات طالت سياسيين من المنتمين لأحزاب منافسة ومخالفة للحزب الديني السياسي الذي ينتمي إليه السيد العوضي! وقد نشرت جريدة «الجريدة» في اليوم السابق لتصريح العوضي صورا لسندات قبض، بيّنت قيام جمعية الإصلاح، الفرع المحلي للإخوان التابع للتنظيم العالمي، بجمع تبرعات بصورة غير قانونية، وهي سندات لا تحمل شعار الوزارة ولا ختمها! ويحدث ذلك بالرغم من تصريحات مسؤولي جمعية الإصلاح بأنهم ملتزمون بكل قوانين الوزارة المنظمة لجمع التبرعات، وأنه لا توجد «مخالفة واحدة» على الجمعية، وهذا كذب بواح طبعا! وبالتالي، فإن المخالفات كبيرة وكثيرة، وكل طرف يحاول تعرية غيره، والتغطية على مخالفاته، وهنا يبرز الدور الحساس والموقف غير المريح الذي وجد السيد محمد الكندري، وكيل الشؤون، نفسه فيه، فهو مضطر من ناحية، ولأسباب سياسية، للتغطية على بعض المخالفات، بناء على تعليمات عليا ربما، ومن جانب آخر، مطلوب منه، ولأسباب سياسية، أيضا، الكشف عن مخالفات أخرى، ويحتاج الموقف إلى سوبرمان للتعامل مع هذين الوضعين!
إن مسألة التبرعات الخيرية ليست مشكلة تقتصر على الكويت، فلا شك في أن هناك مخالفات رهيبة مماثلة في دول الخليج الأخرى، ولكن عدم وجود صحافة «مزعجة وجريئة» أبقى المشكلة «مكتومة»، كما تشكو دول غنية كبرى كأميركا من مخالفات جسيمة في صناديق واستثمارات كثير من الكنائس والمبرات، وقد تورط رجال دين كبار في قضايا اختلاس مئات الملايين منها، وانتهت الحال ببعضهم إلى السجن، وهروب بعضهم الآخر بما حمل.
إن المسألة تتطلب حزما، وهذا الحزم لا يمكن أن يأتي من حكومة تخاف من ظلها، وطالما أن الحزم مفقود، فإننا نطالب أصحاب الضمائر النائمة بالانضمام إلى الجمعيات المسماة بالخيرية، وتولي أعمال جمع التبرعات فيها، لأن الثراء السريع مضمون وسهل.
أحمد الصراف