يعتبر المسلمون بشكل عام، والعرب منهم بشكل خاص، وأهل الجزيرة بشكل أخص، من غير المؤمنين بالتدوين، ويعتمدون على قضاء أمورهم شفاهة. وبالتالي لم يكن مستغربا أن الفن الوحيد العالي القدر الذي برع فيه العرب هو الشعر، لأنه لم يكن يتطلب، لإبهار الآخرين بجماله، أي مواد وألوان أو أدوات، بل مجرد ملكة حفظ وبراعة إلقاء، ومن ثم الانطلاق من جماعة إلى أخرى ومن ديوان إلى إيوان وإلقائه أمام كل جمع ونيل الثناء والعطايا عليه! ولا شك في أن قصائد عظيمة كثيرة فقدت، لأن أحدا لم يهتم بتدوينها، وما وصلنا منها لا يذكر. ولا يعني ذلك أن التدوين معدوم كليا، ولكن ما بين ايدينا من تراث يمتد الى فترة تقارب الألفي عام، شيء لا يذكر! ولو نظرنا إلى أهم حدث في حياة اي شخص عادي، وهو الزواج، الذي تترتب عليه تبعات جمة، لوجدنا أنه كان يتم، حتى فترة قريبة، شفاهة، ولم يكن يتطلب إشهاره غير القيام بـ«زفة» بطبل وزمر! ولولا ما أصبح يتطلبه الارتباط بالآخر من تبعات، وما تمنحه الحكومات من مزايا، لما اهتم كثيرون بتدوين عقود زواجهم، فمن اختار العيش في الصحراء وتلحف السماء لم يكن له خيار كتابة عقد زواج، دع عنك الاحتفاظ به في خرجه.
ومن جانب آخر نرى أنه لو عاد أحفاد مهاجر مسلم إلى البرازيل إلى موطن سابق جدودهم للبحث عن جذورهم، فغالبا لن يجدوا شيئا، وعكس ذلك مع احفاد المهاجر المسيحي مثلا، حيث سيجدون كثيرا عنه وعن جدودهم، وبمن اقترنوا منذ مئات السنين، لأن الكنائس عادة ما تحتفظ بسجلات زواج وتعميد كل من دخلها، حتى في القرى الصغيرة والبعيدة!
كان لا بد من هذه المقدمة الطويلة قبل الدخول في موضوع المقال المتعلق بحصولي من الصديق الباحث يعقوب الإبراهيم على صورة العدد 10 من صحيفة الدستور البصْرية، والتي كان عبد الله الزهير هو «صاحب امتيازها ومدير سياساتها»! والتي صدرت بتاريخ 12 مارس 1912، اي قبل أكثر من 100 عام، حيث ورد فيها أن ثمن الاشتراك فيها مجيديان في الممالك العثمانية، وعشرة فرنكات في البلاد الأجنبية، وللطلاب نصف القيمة! وقد ورد في باب الحوادث المحلية الخبر التالي: منذ ثلاثة اشهر وعلائم الأفراح بادية على ساحة حضرة المفخم والأمير المعظم جناب عز السلطنة سردار ارفع الشيخ خزعل خان أمير المحمرة وسرحدار عربستان، ايدنا بـ«ختان» حضرة شبله المحترم الشيخ عبد الحميد. وإذا ألقينا النظر إلى غرض مولانا الأمير من إطالة مدى الأفراح حال أن كل أوقاته فرح وسرور، نراه غرضا ساميا هو أن يعلم الجميع من قاص ودان، فيتمكن ذوو الحاجات من الفقراء والمساكين أن يؤموا ساحته ومنزله الرحب ليكون لهم مندوحة الدخول بلا استئذان فيأكلون هنيئا مريئا… وإذا أجلنا النظر من جهة أخرى نرى أن حضرة مولانا الأمير الكبير الشيخ مبارك باشا الصباح كان مصباح ذلك الفرح العظيم، مما يدل دلالة واضحة على دوام اتحاد وارتباط الأميرين في أفراحهما وكل شؤونهما، مما نتمنى أن يقتدي بهما أمراء العرب ورؤساؤهم.
أحمد الصراف