تتعرّض مصر لخراب اقتصادي وسياحي وسياسي شبه شامل، ولا يبدو في الأجل القريب أن الحل مقبل، ولكنه سيأتي حتما، مهما طال الزمن، ولكن ليس قبل أن يذهب الشذاذ وحكمهم الشاذ إلى مهملات التاريخ، فمن فرق بين ابناء الشعب واستبعد هذا وقرّب ذاك بناء على عرق أو مذهب أو دين لا يمكن أن يؤمَن شره أو يحظى بأي تقدير أو احترام في التاريخ، ولكن المؤسف حقا أن جزءاً مهماً من الخراب الذي تسبب ويتسبب فيه الإخوان، والمتعلق بالنظرة للأقلية القبطية، هو الذي لا يمكن إصلاحه، فالأقباط كانوا ولايزالون، تاريخيا ووطنيا، زهرة مصر وجمالها وروحها الوقادة التي طالما أضاءت ما تلبّد في سمائها من غيوم التخلف والتعصب، كما أن أقباط مصر، كما يقول الزميل باسيلي بحرقة، هم أكبر وأقدم الأقليات المسيحية التي تعيش في الشرق الأوسط منذ آلاف السنين. كما أنهم أقدم جماعة وطنية متماسكة وموجودة في مكانها نفسه، بخصائصها وملامحها نفسها، وقبل أن تختار اعتناق المسيحية. ويستطرد باسيلي في القول بأسى: إنهم، وبالرغم من كل ذلك، فإن الغالبية لا تعرف عنهم ذلك أو لا تودّ أن تعرف، وتعاملهم وكأنهم ليسوا شركاء في وطن واحد لهم ما لغيرهم من حقوق، إن لم يكن أكثر. فهم كانوا وسيبقون أقلية، ولكنهم سيبقون اقلية غامضة وغير معروفة أو مفهومة بشكل صحيح في أعين الآخرين. حتى عددهم لا يود أحد معرفته أو الإقرار به! كما أن تسميتهم يختلفون عليها، فالبعض يسميهم أقباطاً، بينما يسميهم آخرون بالمسيحيين أو النصارى أو حتى بـ«أهل الذمة»! كما تختلف الرؤية لهم في مدى قربهم من المسلمين أو بعدهم عنهم، فالبعض يراهم مؤمنين من أهل الكتاب، والبعض الآخر يعتبرهم كفارا مشركين يقولون إن الله ثالث ثلاثة، والبعض يسميهم «عبدة الصليب»! أما عن معتقداتهم وأعيادهم وعاداتهم وسيكولوجيتهم فالالتباس والجهل بها هما السائدان حتى لدى نسبة كبيرة من المثقفين المسلمين، علما بأن معظمهم متعاطف مع الأقباط ويدافع عن حقوقهم، مما يجعل الأقباط في النهاية يبدون كأقلية لا يكاد يعرفها أحد. ويقول إن الدليل على ذلك ما قامت به الرئاسة المصرية في مطلع العام عندما حددت موعد إجراء انتخابات مجلس الشعب خلال فترة أسبوع الآلام «عيد القيامة»، وهو العيد الأكبر والأهم لدى الأقباط. وعندما تم الاعتراض على هذا الموعد تم تغييره، هذا قبل أن تحكم المحكمة بإلغاء الانتخابات أصلا! ويقول باسيلي إنه يتذكر أنه طوال سنوات دراسته في مصر كان يفاجأ بأن بعض الامتحانات قد تحددت في أيام عيد الميلاد أو القيامة، دون اعتبار لظروفهم! ورغم احتمال أن يكون وراء التحديد متعصبون في هذه الوزارة أو تلك، فإن الجهل بأعياد الأقباط أو عدم الاهتمام بمعرفة مواعيدها هو السائد. كما تجري في مصر منذ عقود عملية تشويه نمطية بشعة لصورة الأقباط، خاصة من قبل متعصبي المصريين وغيرهم من المتأثرين بنوع من الدعاة الممثلين لأكثر المذاهب تخلفا وتشددا، والذين يهدفون إلى بناء شهرتهم عن طريق تغذية مشاعر الاستعلاء والكراهية بنعت الاقباط بالكفر والقذارة والنجاسة الجسدية والروحية، وبذلك يسهلون على غيرهم التعدي على إنسانيتهم وسلبهم حقوقهم في المواطنة. كما من اللافت أن في كل مواقف التشويه الممنهج للأقليات في مجتمعات كثيرة نجده يحدث تحت غطاء ديني صاخب وهائج، يمنحه صك الموافقة الإلهية السامية، فيقوم الإنسان بناء عليه بأبشع أنواع الإذلال والاستعباد والاضطهاد لأخيه الإنسان، المختلف عنه دينا أو مذهبا أو شكلا، دون خلجة واحدة من تأنيب الضمير، بل بالعكس نجده مزهواً بأنه بهذا يرضي ربه ويتقرّب إليه!
أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com