من الواضح أن جهات في الحكومة رأت أو اعتقدت بأنها ستكسب الكثير من رضا كبار مسؤوليها إن هي غالت في تطبيق القوانين، وضد الوافدين بالذات، وكأن إشعار هؤلاء بأنهم ملاحقون دائما سيكون في مصلحة الجميع وسيجعل خطر فسادهم وإجرامهم أقل، ونسي هؤلاء أن وراء كل مخالف ومجرم غير كويتي يقف مواطن من جماعة «كويتي وأفتخر»! فالوافد غير السوي لا يعمل عادة لحسابه Free lancer، بل بدعم وحماية من مواطن غالبا. وفي السياق نفسه لم يكن تصريح وزيرة الشؤون، الذي تراجعت عنه تاليا، حول نيتها ترحيل 100 ألف وافد سنويا موفقا، وهي الإنسانة القانونية والحصيفة، فهي تعرف الآن صعوبة التنفيذ، إداريا على الأقل! كما سينجم عن التطبيق ظلم كبير لا داعي له، وكان الأجدر بها القول إنها ستسعى لترحيل مائة كويتي على الأقل، من المتاجرين بالإقامات، الى السجن! فلو كان فينا خير أصلا، لما لعب بنا هؤلاء، ولما كانت نسبتنا كمواطنين، مقارنة بإجمالي السكان، بهذا الانخفاض! كما أن قرار ترحيل الوافد المتورط في مخالفات مرور جسيمة، وقطع رزقه وعائلته، وإجباره على ترك عمله أو تجارته والتخلي عن كل التزاماته، لا يفتقد الإنسانية فقط، بل يتسم بالغباء الشديد، وستكون له تبعات خطيرة. فالمقيمون، أو غالبيتهم على الأقل، أتوا الى الكويت للعمل والكسب الشريف، وهذه كانت نية من وفر لهم العمل وسهّل لهم القدوم، وبالتالي ليس من الإنسانية ولا من الذكاء جعلهم يعيشون في قلق مستمر على مصيرهم ومصير أبنائهم ان تورّطوا في مخالفة مرور ارتكبت في لحظة سهو أو انشغال، والأفضل له وللدولة فرض غرامة مالية كبيرة عليه تعطيه وغيره درسا لا يمكن نسيانه. إن المشكلة لا تكمن في مخالفات الوافدين وزيادة عددهم، بل في الفساد المستشري في «عالم الكفالات»، وهو الفساد الذي حاولت شخصيا كشف جزء منه عندما عرضت على شخص جاء لمقابلتي لغرض جمع تبرعات لبناء مسجد في باكستان، مبلغ ألفي دينار وضعتها أمامه نقدا، مقابل أن يخبرني باسم كفيله أو من سهل له القدوم الى الكويت، إلا أنه رفض، لعلمه بأنه سيخسر أكثر إن أفشى أحد بأسرار اللعبة في سوق العمل! فهناك، كما هو معروف، «أطراف متنفذة»، وحتى مغمورة، تستفيد من تملكها لعشرات التراخيص الوهمية وبعناوين وهمية أو صادرة على محل خالٍ لا تزيد مساحته على 20 مترا أتاح لها الحصول على تقديرات احتياج لمئات الموظفين والعمال، إن لم يكن الآلاف، علما بأن نظام دفع راتب العامل في البنك أثبت فشله، فالرواتب تدفع من «الكفيل الشريف» في بلد «كويتي وأفتخر»، وتسحب في اللحظة نفسها التي تودع فيها، وبإمكان البنوك تأكيد ذلك من واقع سجلاتهم الإلكترونية. كما أن ترحيل العمالة عشوائيا سيخلق مشاكل جمة ويزيد من تكاليف الأجور. ولو نظرنا لنشاط واحد كعمليات تحميل وتفريغ الحاويات في الموانئ مثلا، لوجدنا غالبا أن من يقوم بها عمال لا يتبعون كفلاء لهم نشاط في الموانئ، وبالتالي ما الذي سيحدث لو تم ترحيل هؤلاء؟ ستحدث كارثة حقيقية حتما!
أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com