كتب الزميل العراقي طالب الشطري مقالا، ننقله بتصرف قال فيه: زرت بلاد الاغريق ووقفت على اطلالهم، وزرت الرومان وشخصت في هياكلهم، وزرت بلاد الفرس وجلست بافياء تخت جمشيدهم، وزرت سومر وبابل ورأيت مدنا تعلن عن نفسها وهي مطمورة، وتساءلت: كيف عمرت دولتا الأمويين والعباسيين لمئات السنين، في عهد51 خليفة، ولا نجد لحكمهم أثرا هندسيا؟ وكيف عاشت بغداد عصرا ذهبيا، وأصبحت عاصمة العالم العلمية والثقافية والفنية؟ لندع المسلمات التاريخية جانبا ونتحاسب: من بين اكثر الابنية صمودا عبر التاريخ دور العبادة بحكم قدسيتها وخوف الناس من التعرض لها، ولنفترض هنا ان القصور الفخمة والقلاع المهيبة والجامعات العلمية المتطورة والبيوت والحمامات والمعسكرات خربتها الحروب ونهبها الناس فأين هي المساجد؟ ولماذا نرى صمود المسجد الاموي، الذي سبق أن كان كنيسة، حولوها عنوة الى مسجد، ولا نرى سواه؟ ولماذا بقيت آثار فرنسا والمانيا وبريطانيا وايطاليا واسبانيا ودول العالم الأخرى من قصور وقلاع وابنية حكومية واهلية واختفت آثار الدولتين الاموية والعباسية؟ الجواب يكمن بأن العرب لم يكونوا اهل بناء، وأنهم استغلوا الدين لمهاجمة الشعوب حولهم، وكان العراق الحلقة الأضعف. كما أن مكونات الدولتين الاموية والعباسية هما مجموع الهجمات التي ظل العرب يشنونها على الشعوب وينهبون ذهبها ويسرقون فتياتها، ويقتلون رجالها او يجبرونهم على الدخول في دينهم. ولا توجد دولة اموية او دولة عباسية بمعنى دولة عمران في الصناعة والزراعة والبناء والتجارة والعلوم. كما أن من غير المعقول أن تبقى آثار «طاق كسرى»، تقاوم الهدم وتظل شامخة، فيما كل الذي تبقى من بغداد حائط مدرسة! وكيف نقول إن سامراء، تعني «سر من رأى»، وليس فيها ما يسر! كما أن بناء الملوية لايمكن ان يكون من العصر العباسي، وذلك لتعارضه مع عقيدة المسلمين في معنى قتل النفس. وبالتالي فإن الأمويين والعباسيين لم يتركوا تراثا عمرانيا، وأهملوا حتى بناء الكعبة، إلى أن جاء العثمانيون، الذين تأثروا بالعمارة الرومانية، وجددوا بناءها، علما بأن بداية العثمانيين كانت تحويل الكنائس الى مساجد. ان الدولتين الاموية والعباسية في صورتهما الواقعية نموذج للامبراطورية المنغولية التي طبعها العنف في اذهان الناس، وليس العمران على الارض. واننا نسمع بواسط، التي اسسها الحجاج ولا نراها، ونسمع بالكوفة ولا نراها، علما بأن قصر الامارة فيها كان بناء أسسته دولة اخرى، وهو ما منع الامام علي من النزول فيه، فلو كان هذا ملكية اسلامية لما امتنع الخليفة من النزول فيه. وعندما نسأل عن الكوفة يقال لنا ان قبيلة خفاجة دمرتها في هجمات متلاحقة، ولكن سور الصين بقي شاهدا على الاباطرة الذين بنوه وكذا الاهرامات وآثار سومر وآشور وآكاد! فلماذا اختفت آثار حضارة حديثة عمرها بضع مئات من السنين؟ ولو كان للدولتين الاموية والعباسية وجود مادي لرأيناه قد انعكس على ملكية الارض واعمارها وعلى استقرار الشعوب. ولو افترضنا أن صناعة الحرير والورق انتشرت بفعل الصينيين، وانتشرت صناعة السفن بفعل الاغريق والرومان وانتشرت اللغة الانكليزية نتيجة سيادة الامبراطورية البريطانية، وهذه ثقافة الجينز والموسيقى والكمبيوتر تغزو العالم بقوة أميركا، فلم لم ينتشر اللباس العربي او اللغة العربية او عادات العرب واخلاقهم وتصبح موضة عالمية، حتى لفترة قصيرة من الزمن تتناسب وتمكنهم يوما من حكم نصف العالم؟
وعليه فإن الاسلام دين أصلح حياة العرب وقومها، لكنه لم يدع يوما أن وظيفته اقامة دولة. والكتب التي قالوا ان المغول ألقوها في دجلة، وجعلوا ماءه حبرا ازرق، تجدها في مكتبة الكونغرس الاميركي.
أحمد الصراف