كنا في الكويت، وقبل سنوات لا تزيد على الخمسين بكثير، نصاب بهلع كلما أظلمت الدنيا علينا في وضح النهار نتيجة اختفاء الشمس فجأة، خصوصاً عندما يسرع أصحاب المحال وأرباب الحرف إلى إغلاق محالهم والهرولة نحو بيوتهم، وإقفال المدارس لأبوابها، وخلو الشوارع من المارة، فقد كان كسوف الشمس يعني المجهول، وأن مصيبة ستقع، ومؤشراً على دنو يوم القيامة، وبالتالي كانت الدعوات تتعالى والصلوات تقام لفك الشر وإزالة الغمة! ولكن مع الوقت، وزيادة نسبة المتعلمين، أصبح الناس يعتادون تدريجياً على ظاهرة الكسوف، وأنها ليست أكثر من ظاهرة كونية معروفة السبب، وهو لا يعدو أن يكون غير توسط القمر بين منطقة معينة من الأرض والشمس، بحيث تحجبها عنا، فيسود الظلام للحظات في تلك النقطة وليس في غيرها، وتطور الأمر وزال الخوف، بحيث أصبح الكثيرون يسافرون لمسافات طويلة ليحظوا برؤية هذه الظاهرة، ساعة حدوثها، بشكل أفضل وتسجيل لحظاتها على أدق آلات التصوير، بعد أن كان آباؤهم، وربما هم، يتوجسون شراً منها في الماضي!
تذكرت تلك الأيام عندما قرأت إعلاناً قبل أيام عن نية بعض الجهات في الكويت إقامة «صلاة استسقاء» بغية الإسراع في نزول المطر الذي طال انتظاره وتأخر عن موعده. وماء المطر كان وما زال مهماً في مناطق كثيرة من العالم، ولكن هناك كذلك مناطق أخرى لا تعرف المطر أبداً، أو يندر هبوطها فيه، ومع هذا لا تشكو من شيء، ولكن توقف نزول المطر لفترة طويلة يعتبر، لدى مجتمعات كثيرة، من الأمور الخطيرة التي يجب التحسب لها. فتوقفه يعني جفاف المراعي وشح مياه الآبار، وهبوط مستوى الأنهار، وهلاك الماشية، وبالتالي لم يكن أمام مجتمعات كثيرة، في مواسم الجفاف، غير الدعاء والصلاة ابتغاء نزول المطر، ومن هنا لم تكن الدعوة لإقامة صلاة استسقاء بغريبة، حتى تلك التي أقيمت في الكويت قبل أيام، فقد نزل الغيث بعدها بأقل من 24 ساعة!
ولكن، لو سألنا بعض من لبوا دعوة إقامة صلاة الاستسقاء تلك إن كانوا من قراء الصحف أو متتبعي الأرصاد الجوية، لوجدنا أن غالبيتهم لا علاقة لهم لا بهذه ولا بتلك، وبالتالي لم يقرؤوا النشرات الجوية ليوم السبت التي توقعت، بكل وضوح، هطول المطر يوم الأحد! وهذا يعني أن ما تحتاج إليه شعوبنا، ضمن أمور كثيرة أخرى، هو أن تقرأ أكثر وتجادل أقل! وغالباً، لا يعلم هؤلاء أن دولاً عدة كروسيا وأميركا والصين، تقوم اليوم بالتحكم في الأمطار في أكثر من مناسبة، ومنها أيام الاحتفالات الكبرى، بحيث تتخلص من السحب الممطرة، قبلها بيوم ليبقى جو الاحتفال.. من غير مطر!
أحمد الصراف