لا تبعد إيران عنا بالطائرة أكثر من نصف الساعة، ومع هذا لم أزرها إلا مرة واحدة، مضطرا، وعلى مدى أكثر من نصف قرن (51 عاما)، على الرغم من وجود أهل وأحبة فيها، وذهبت لتحصيل مبلغ لي بذمة مصرف لم يكن بإمكانه سداد قيمة اعتماد مستندي صادر عنه لمصلحتي بالدولار بسبب شح سيولة الدولة من العملة الأجنبية! كان ذلك قبل 25 عاما، فكيف بوضعها قبل الاتفاقية الأخيرة، مع كل ما تواجهه من صعوبات في بيع منتجاتها من نفط وسجاد واطعمة، وشراء ما هي بأمس الحاجة إليه من أغذية وقطع غيار لمختلف المعدات والمركبات والطائرات، هذا غير الأدوية والأمصال وغيرها الكثير؟!
ولو توافرت لإيران قيادة مدنية مستنيرة، بعد إسقاط الشاه، كما كان يتمنى الكثيرون من الذين شاركوا الخميني في الإطاحة بنظام الشاه، أمثال مهدي بازركان وابوالحسن بني صدر وغيرهما من كبار وطنيي إيران، الذين قاسوا الأمرين تحت الحكم الامبراطوري، لكانت إيران اليوم على الأقل «تركيا ثانية»، علما بأنها تمتلك ما لا تمتلكه تركيا من قدرات وثروات نفطية ومعدنية هائلة!
وقد بينت الاتفاقية التي توصلت إليها القوى الكبرى مع إيران، أن أسلوب الحصار والضغط الاقتصادي اكثر فعالية من الحروب المدمرة. كما أثبتت فشل أي قيادة دينية، وأن هدفها الوحيد هو استمرار بقائها في الحكم. كما أثبتت خطأ تحدي المجتمع الدولي بقرار فردي من قائد أو مرشد، دون ان يكون للشعب دور حقيقي في كل ما ابتلي به من ويلات، هذا غير تضييع عشرات مليارات الدولارات على مشاريع خرافية التكلفة، بغية تحقيق أحلام شوفينية بامتلاك اسلحة نووية تزيد المنطقة توترا وتطرفا! وبينت الاتفاقية كذلك خواء كل ما ادعاه «كبار» الاستراتيجيين والمحللين السياسيين عن الثعلب الإيراني المراوغ، والمفاوض الداهية وكيف أنهم يمتلكون نفسا طويلا، وأنهم، كما وصفهم عبدالله النفيسي يوما، سادة لعبة الشطرنج ومن اخترعها، وبالتالي يعرفون جيدا كيف يحركون أحجارهم، وأين يضعون اقدامهم! ثم تبين أن كل هذا كلام فارغ لا معنى له وإن إيران ليست أفضل من اي دولة متخلفة أخرى، وإن هم قيادتها الدينية، التي قضت على كل أحلام شعب حي وجميل، ينحصر في البقاء في السلطة، وأن هذا البقاء مرهون باستمرار إشعالها للنزاعات والقضايا المذهبية الخلافية، سواء كان ذلك في سوريا أو اليمن أو لبنان او في نيجيريا أو غيرها! والمؤسف بعد كل ذلك أن لا أحد يود أن يفهم أن الحل لكل مشاكل إيران وغيرها من الدول «المتدينة شكلا» هو في العلمانية، وليس هناك من حل آخر!
أحمد الصراف