تأثرت – كغيري – بوالدي، وربما اجمل ما أعطاني إياه حبه للبنان وفيروز. وأول مرة أخذني فيها للبنان كان في صيف عام 1956، وأسكنني في بيت أسرة صديق له، وربما كان بيت المرحوم محمد البدر، في بحمدون الضيعة! وكنت أخرج من ذلك البيت كل صباح، مع صوت القطار الذي كان يمر بالقرب منا، وأتجول في الحقول الصغيرة القريبة ألتقط الفواكه وأسمع شدو الطيور، وأملأ رئتي برائحة الصنوبر، وأقطف الزهور، غير شاعر بتغلغل حب ذلك البلد في نفسي مع كل خطوة أخطوها، ونسمة أستنشقها، بعيدا عن لظى الكويت وغبارها، ومن يومها أصبحت ولبنان شيئاً واحداً، ولا أذكر أنني تغيبت عنه، أو غاب عن خاطري يوماً!
لبنان يعني لي الكثير، ولكن فيروز اصبحت تعني لي أخيراً أشياء أكثر، بعد أن خرب لبنان الذي خبرته وعرفته لما يقرب من ستين عاماً! فصوت فيروز – وأغانيها القديمة بالذات – يعيدني في لمحة الى أيامي ولياليّ فيها، وذكريات طفولتي في دروب ضيعها، وشيطنتي في أزقة مدنها، وضحكاتي مع شبابها، ونظراتي لورد بلكوناتها، ولقهوة «أم حنا الغنوجة» وحلوياتها، وإغواءات صباياها! ولا أعتقد أن هناك أغنية تذكرني بكل ذلك، والحنين للبنان، كأغنية فيروز «بكرا بيجي نيسان»، التي تقول فيها:
بكرا بيجي نيسان يسألنا
وبيرش وردو عا منازلنا
منخبرو شو صار
منسمعو الأشعار
يللي كنت فيها تغازلنا
بكرا بيجي نيسان يغوينا
ويموج زهورو بروابينا
منحكيلو عالي كان…
منسمعو الألحان يللي كنت فيها تناجينا
ناطرين تلوح يا حلو
وتبوح وتسمع شكاويك للوردات
ناطرين نضيع، عالدرب وتشيع
عن هوانا بهالدنيي حكايات
بكرا بيجي نيسان يسعدنا
وعاتلال أحلامو يبعدنا
منتيه شردانين عا دروب مخضرين
وأرض الهوى والحب موعدنا
أحمد الصراف