ما الذي تشعر به عندما تجد نفسك واقفا أمام فراش عزيز كريم، وتراه شبه غائب عن الوعي، يشكو من المرض، وليس بإمكانك فعل شيء، ولا من يقدم له العلاج، بعد أن تقاعس الأطباء واختفت الأدوية؟ ويزداد حزنك مع استفحال المرض، واضمحلال جسد العزيز، واستمرار غياب من يسمع شكواك! لا شك انه موقف مؤلم، وخاصة عندما يكون ذلك العزيز وطنا كالكويت التي أعطتنا كل شيء، فرددنا لها المعروف بنتف ريشها وكسر اقدامها وقلع عينيها وخلع اكتافها ونهش لحمها، لنبيعها بثمن بخس! لا أدري كيف يمكن أن تتحول نسبة كبيرة ومتزايدة من كبار مسؤولي الدولة وصغارهم، وبعض مشرعينا ومتنفذينا، الذين كانوا، حتى الأمس القريب، مثال الأمانة والطيبة والصدق وعفة اليد واللسان، لمجموعة من الراشين والمرتشين؟ وكيف أصبحت الكويت، ونقصد هنا شعبها، على رأس قائمة الدول الأكثر فسادا، منافسين شعوب الهند ومصر والفلبين وبنغلادش ولبنان ونيجيريا وبقية «الأرطة» على المكانة؟ وكيف أصبحت دول قليلة الإمكانات، كثيرة المسؤوليات كالأردن وناميبيا وغانا، أفضل منا، وأقل فسادا؟ وهل هناك كارثة أخلاقية أكبر من هذه؟ وما المستوى الذي سننحدر له عندما تحزم حكومتنا «الرشيدة» أمرها وترسي ما تخطط لتنفيذه من مشاريع بمليارات الدولارات؟ وقتها كيف سنرد على تساؤلات من تبقى بيننا من أصحاب الضمائر الحية والشرفاء عن كيفية التصرف حيال هذا الوضع؟ ومتى ستنهار مقاومتهم، ويلحقون بركب الفسدة والمفسدين؟ وما سبب سكوت أغلب «الكبار» عن كل قصص الفساد، في الوقت الذي ربما يعرف رواد ديوانيات كثيرة ومسؤولو ديوان المحاسبة، وجميع أصحاب المكاتب الاستشارية وأعضاء لجان المناقصات، أسماء من يقف وراء تلك القصص؟ فإن عرف هؤلاء فإن الجهة المعنية أكثر من غيرها بالأمر تعرف أيضا، فلم لا تقوم بفعل شيء؟ ماذا ينقص الكويت لتكون أفضل من غيرها؟ ولماذا أصبح من الصعب أن نجد اليوم مواطنا نظيفا يقبل بترسية عقد توريد أو توقيع مقاولة، أو الإشراف على تنفيذ هذا العقد أو ذلك المشروع، أو تمرير تلك المعاملة أو تأخير إنجازها، دون أن يفكر بمد يده ليقبض من هنا وهناك؟ هل المواطنون فقراء؟ هل يفتقدون الدواء لأمهاتهم، والمدارس لأبنائهم؟ أم أنهم بحاجة لمياه وكهرباء؟
الجواب طبعا «لا» كبيرة جدا، فالسبب لا يعود، كما هي الحال في الدول الفاسدة، للفقر والبيروقراطية المتخلفة وغياب الحريات وفقدان ضروريات الحياة، بل لأن الصغير أصبح يقتدي بالكبير، والكبير بمن هو أكبر منه، وهناك دائما من يرشي ومن يرتشي، فلا عقاب ولا حساب، بحيث اصبحت غالبية مرافق الدولة، المتصلة بالجمهور، أو التي لها ميزانيات كبيرة، كالبلدية والاشغال والصحة والتربية وأقسام الداخلية والشؤون والبيئة والإطفاء والإسكان والموانئ، مراتع فساد شهيرة!
فهل من علاج؟ لا أعتقد، فقد فات الوقت وأصبح المريض في حالة احتضار!
أحمد الصراف