لا يوجد من هم في جيلي، وقبلي قليلا، من رواد البصرة، في عزها، من لا يعرف فندق وكازينو شط العرب، فقد كان «المكان»! عادت بي الذكريات لذلك المكان عندما ارسل لي صديق عزيز صورة إعلان يعود تاريخه لمارس 1954، اي قبل 60 عاما، يتضمن دعوة لحضور حفل «بالو» ساهر، ولا اعرف معنى «بالو»! وأن الحفل سيكون في يومه الأول للرجال فقط، وفي يومه الثاني للرجال حتى منتصف الليل، وللنساء بعدها حتى الرابعة فجرا! وأن الحفل سيتضمن رقصا غربيا وعرض أزياء باريسية تقوم به ملكات جمال العالم وجمال النرويج وجمال حوض البحر الأبيض، وجمال باريس. كما سيتضمن عزفا موسيقيا من قبل اوركسترا «ماريو أريكوني»، مع المغنية ربن ديديا، وأن سعر بطاقة الدخول ديناران، والعشاء 600 فلس والشاي 150 فلسا والمشروب 200 فلس! وقد أعادني الإعلان لذكريات قديمة، وقمت دون أن أشعر، أدندن بكلمات بأجمل اغنية عراقية سمعتها، وهي «هذا مو انصاف منك»، والتي اعتقد ان من وضع كلماتها هو الشاعر العراقي ضاري إبراهيم، وهي من ألحان الفنان الكبير صالح عزرا الشهير بصالح الكويتي، الذي ظلمه مجتمعه البغدادي، الذي رحل له من الكويت مع اسرته، عندما أجبرته أحداث «الفرهود» الجائر التي حصلت في بعض مناطق العراق، على الهرب بجلده إلى إسرائيل، وكان ذلك في بداية الخمسينات، لتفقد المنطقة فنانا كبيرا. ويذكر أن أغنية «هذا مو إنصاف منك» قد شدا بها الكثيرون، ومنهم يوسف عمر وبيدر البصري، وربما عزيز علي، وبلقيس فالح وغيرهم، ولكن البداية كانت مع المطربة سليمة مراد، التي سماها «الباشا» نوري السعيد، في لحظة تجلي، بسليمة باشا، التي سبق وان غنت كذلك «قلبك صخر جلمود» وغيرها. تقول كلمات أغنيتها الشهيرة: هذا مو انصاف منك غيبتك هالقد تطول الناس لو تسألني عنك شرد اجاوبهم شقول؟ ألف حيف وألف وسفه مثلك يخون ويه ولفه لا تظن قليبي يشفى والالم منه يزول الناس لو تسألني عنك شرد اجاوبهم شقول؟ قلبي خليته يتجوى بنار هجرانك تلوى هذي مو منك مروة لا ولا منك أصول الناس لو تسألني عنك شرد اجاوبهم شقول؟ واني في العادل بسرعة والوصل عني تمنعه هذا جم دوبات توسعه وغيرى عن الحاضر ينول الناس لو تسألني عنك شرد اجاوبهم شقول؟ اين ذهب العراق الذي كنا نعرف ونحب؟ لقد خربه الطغاة وسفاكو الدماء واجهز عليه المتخلفون، ولن تقوم له قائمة، فنحن نعيش في عصر لا يمكن أن تنهض فيه أمة سبق وأن تخلفت عن ركب العصر.