تأثرت كثيرا بنص ورد على الإنترنت منسوب لألوين منيسز من سنغافورة، يقول فيه انه دعي لحضور حفل عشاء في جمعية للمكفوفين، وأنه قَب.لها بعد تردد. وهناك وجد 40 مدعوا آخر. بدأ البرنامج بعرض فيلم يتعلق بأنشطة الجمعية وكيفية التعامل مع المكفوف، وكيف يعيش هؤلاء حياتهم. ثم قالت المشرفة ان الجميع سيقضي الساعتين التاليتين في ظلام دامس، وأن العشاء، المكون من خمسة أطباق، سيتم تناوله في صالة طعام مظلمة تماما، وان من سيقوم بالأخذ بأيدينا لأماكن جلوسنا وخدمتنا طوال ذلك الوقت، وتلبية كل احتياجاتنا، سيكونون جميعا من المكفوفين. أطفئت الأنوار، وأخبرتنا المشرفة بأن علينا أن نتخيل، ونحن نجلس على طاولة الطعام، أن الصحن الموجود أمامنا يمثل ساعة، وأن عند علامة رقم الساعة 3 توجد ملعقة، وعلى الجانب الآخر من الساعة، حيث الرقم 9 هناك شوكة، وعند الساعة 12 هناك ملعقة صغيرة، وعند الساعة 2 كأس ماء فارغة، وعند الساعة 6 توجد محرمة ورق. وقيل لنا ان هناك إبريقين سيمرران علينا، الإبريق ذو الجدار الأملس يحتوي على ماء، والآخر ذو الجدار الخشن يحتوي على عصير برتقال. وعندما نحدد اختيارنا، نقوم بسكب الماء أو العصير في الكأس الموضوعة عند الساعة 2، ولكي لا يفيض علينا وضع اصبع السبابة بداخله لنتلمس مستوى السائل.
بالرغم من أننا أجبنا جميعا بنعم، على سؤال المشرفة المتعلق بفهمنا لتعليماتها، إلا أن الارتباك سرعان ما طغى على تصرفات الجميع، واصبح كل واحد يسأل الآخر عن مكان الملعقة أو الشوكة. ويقول منيسز انهم امضوا ساعة ونصف الساعة من المتعة الحقيقية في صالة لا يمكن للواحد فيها من رؤية شيء حتى إصبعه، وان الجميع تناول طعاما لا يعرف لونه ولا شكله ولا مما يتكون حقيقة. ويقول ان المتطوعين المكفوفين قاموا بمهمة الإمساك بأيديهم وإجلاسهم على مقاعدهم بطريقة مميزة، من دون الاصطدام بشيء. كما قاموا بتقديم وجبة العشاء بطريقة دقيقة، ومن دون الوقوع في أي خطأ. وقال منيسز ان شعورا غريبا اكتنف الأربعين مشاركا، وهم يجربون قيام مكفوفين بإرشادهم والتحكم في تحركاتهم وخدمتهم على الطاولة، بدلا من أن يحدث العكس. وينهي منيسز تجربته بالقول ان المشرفة سألتهم، بعد انتهاء العشاء، إن كان الجميع قد تناول الأطباق الخمسة، حسب رغبته، أجاب الجميع بنعم، وعندما أشعلت الأنوار، تبين أن الدموع كانت تملأ مآقي الجميع، تقريبا، وهم يرون المكفوفين الثلاثة، الذين قاموا بذلك العمل الدقيق، يقفون أمامهم، ولم يكن بإمكان أحد غيرهم القيام به في ذلك الظلام الدامس!
وأعتقد شخصيا أن حياة الكفيف هي الأصعب من بين أقرانه ذوي الاحتياجات الخاصة، والأكثر مدعاة للألم، ومع هذا لا تعطيها مجتمعاتنا ما تستحق من اهمية، مقارنة مثلا بالعناية التي يلقاها السائل والمحروم وابن السبيل. والغريب في البشر أن من يصاب بزكام، او يتعرض لحادث مروري سخيف على استعداد لتخريب حياة كل من حوله، من دون أن يدرك كم هو سعيد، لأنه لا يشكو من متاعب بصرية أو غيرها!
أحمد الصراف