لقي مقال كتبته قبل فترة عن أسماء الشوارع، ما لم يلقَ غيره من اهتمام، قدحا ومدحا، وكان بعنوان «بسطة الخضار والقطامي». ذكرت فيه الفوضى العارمة في تسميات الشوارع، حيث حظي بعض ممن لا يستحقون بشوارع لم يحلموا يوما بالمرور فيها، فكيف بوضع أسمائهم عليها، أو في من اعتقد أنه سيكرّم بعد مماته بإطلاق اسمه على طريق واسع أو شارع، كما تبين من الردود الشفهية والكتابية حدة التباين والاستقطاب في المجتمع، التي طالت كل الفئات وأثارت عصبياتهم الدفينة، وكان الاتفاق الوحيد بينهم هو عدم رضائهم جميعا عن التسميات بمجملها، قديمة وجديدة، أو حتى ما سيتمخض عنه فأر جبل البلدية. فمن مرحّ.ب بتسمية شارع باسم فلان، ومن رافض للتسمية نفسها، واقتراح غيرها. حتى الشاعر «بن لعبون» لم يسلم من النقد بسبب تسمية شارع صغير باسمه في النزهة، وسعدت لأنني لست مسؤولا عن تسمية الشوارع، لكان غضب الجميع قد نزل على رأسي، الخالي من الشعر!
سبب المشكلة، كما اتضح لي، وكما أخبرني صاحب قرار سابق، إن صح كلامه، أن الحكومة أصرّت، منذ سنوات خمس تقريبا، على ألا تضع أي معايير، مكتوبة أو حتى شفهية، تتعلق بالطريقة الواجب اتباعها في اختيار أسماء الشوارع والطرق. كما رفضت تصنيف الأسماء لفئات مثلا، أي مَن يحصل على ماذا، على الرغم من أن الجميع موتى! بل كل ما فعلته الحكومة هو الإيعاز للمسؤولين ولأعضاء المجلس البلدي بما يشبه النص التالي: «روحوا يا مجلس بلدي وقرروا واختاروا واختلفوا بين بعضكم مع بعض، كأعضاء، واختلفوا مع وزير البلدية، وبعدين هاتوا لنا مقترحاتكم، وبعدها نحن نقرر!».
الطريف في الردود على المقال أن الغالبية أرادت معرفة الاسم «الحقيقي» لصاحب «بسطة الخضرة»! وكنت سأجد رداً على تساؤلاتهم لو لم يقرنوها باتفاقهم معي على أن هناك المئات من الذين أُطلقت أسماؤهم على الشوارع ممن تنطبق عليهم مواصفات «صاحب البسطة»، والاختلاف فقط في الحروف الأولى للأسماء، فما الفرق بين «س. م. ك» و «ك. م. س»؟
أنا شخصياً، على اعتبار أنني مواطن كويتي، ولي صيتي وسمعتي وجاهي وثروتي، وكتاباتي التي استمرت لعشرين عاما، وستستمر لعشرين عاما أخرى، وبالوتيرة نفسها، وأيضا من دون مقابل مادي، أعلن هنا تنازلي عن «حقي الطبيعي» في إطلاق اسمي على أي شارع وطريق وسكة! وهكذا أرحت الحكومة من «حنة أهلي»، بعد مماتي.
أحمد الصراف