قررت في بداية رمضان التفرغ للبحث في تاريخ حركة الإخوان المسلمين، التي قام بتأسيسها حسن البنا، ولو أن بعض المؤرخين يشككون في ذلك. وكان غرضي الإحاطة، قدر الإمكان، بأهداف التنظيم وما اتبع من وسائل، على مدى ثلاثة أرباع القرن، للوصول لما وصل إليه من تغلغل في مختلف المجتمعات الغربية والعربية، وبالذات الخليجية. وكيف كونوا امبراطوريتهم المالية والاستثمارية، والتي حولت الكثير من أعضاء التنظيم شبه المعدمين إلى أصحاب ثروات طائلة، وسياسيين كبار. ثم تذكرت، وأنا غارق بين عشرات المجلدات والمراجع والمقالات السابقة التي كتبتها أو كتبها غيري عن تاريخ حركة الإخوان المسلمين الإجرامية، الجهد الهائل الذي بذله المفكر المصري الراحل عبدالوهاب المستيري في وضع الموسوعة اليهودية التي تعلقت بكل جوانب التاريخ العبراني، اليهودي، فى العالم القديم، وتاريخ الجماعات اليهودية على امتداد العالم، وتعدادهم وأماكن تواجدهم، وهياكلهم التنظيمية، وعلاقاتهم بالمجتمعات التي تواجدوا، ويتواجدون فيها، وما تعرضوا له، خلال تاريخهم الطويل الممتد لآلاف السنين، من كراهية واضطهاد وتشريد، إضافة إلى التطرق لفرقهم وكتبهم الدينية، وطقوسهم وشعائرهم وقياداتهم التاريخية، وأزماتهم مع مختلف الأنظمة الحاكمة، والدور التخريبي الذي كان لهم في أكثر من بلد ومجتمع! تذكرت ما بذله المستيري من جهد، على مدى ربع قرن، وبمساعدة فعالة من جهود عشرات المساعدين، وتبين لي، وأنا في خضم كل هذا البحر من المعلومات، ليس فقط مدى التشابه بين الحركتين، الصهيونية والإخوانية، وما استفادته الثانية من الأولى، وكيف نجحت في تحقيق نصف حلمها، من خلال اتباع الوسائل الصهيونية نفسها، في إيجاد دولتهم المزعومة، وهو الحلم الذي جر على العرب والمسلمين، طوال السنوات الخمسين الماضية، ويلات ومصائب وانقلابات عسكرية واغتيالات سياسية ومؤامرات لا تعد ولا تحصى، تبين لي أن الموضوع يحتاج الى عمل موسوعي لست بقادر عليه في وضعي الحالي، ويحتاج الى تفرغ كامل لسنوات طوال لا أعتقد انني سأعيشها، خصوصا ان الأخطبوط المالي للإخوان لم يكتف بالاستحواذ على آلاف المشاريع في الدول الخليجية وفي عشرات الدول الأوروبية والغربية، بل وقام بتسجيل تلك الاستثمارات باسماء شركات «أوف شور» او من المنتمين لها، ويصعب على فرد مثلي تتبع مصادر اموالهم، خصوصا أن عددا من كبار زعماء الإخوان، في الكويت على الأقل، يمتلكون حصصا مؤثرة في عدد كبير من الشركات التجارية والمصارف المسماة بالإسلامية، والمشاريع الاستثمارية الضخمة، وليس هناك خط يفصل بين ملكياتهم الخاصة وأموال التنظيم. كما أن أموال التنظيم المحلي والعالمي، التي تقدر بأكثر من 15 مليار دولار، تدر على من يديرها ارباحا طائلة. كما أن ما شجعني اكثر على وقف مشروع البحث في تاريخ الإخوان المظلم، وجرائم بعض أعضائه، ما صرحت به اخيرا وزيرة الشؤون، عن عدم وجود نية لدى الحكومة، لحل جمعيتهم، الذراع المحلية لحركة الإخوان المسلمين التابعة للتنظيم العالمي، بالرغم من كل ما عليها من مآخذ.
أحمد الصراف