هي لاتزال في انتظار الغائب… مر على اختفاء وليدها نحو 8 أشهر، منذ تلك الظهيرة الحارقة من صيف يوليو/ تموز من العام الماضي 2007… كان يوم الثلثاء العاشر منه، هو يوم حزين كئيب… ليس لأم بدر وحدها، بل لكل أم في البحرين، ولا أبالغ حينما أقول، إنه كان يوما “مفجعا” لكل إنسان سمع بقصة اختفاء الطفل ذي السنوات الثلاث في ظروف غامضة لا يعلم سرها إلا الله سبحانه وتعالى.
في داخلها، شعور لا يمكن أن تكذبه، فهي تشعر به حيا يرزق… فقلب الأم دليلها! مكامن إحساس الأمومة في روحها تبلغها بأن الصغير الذي غادر حضنها، سيعود إليه يوما ما… عسى ألا يطول الانتظار، وعسى يوم العودة قريبا!
لسان حال الأم يجيب على السؤال التائه الحائر: “هل لاتزالين تعتقدين بأنه على قيد الحياة؟”، لتجيب: “وهل عثروا عليه ميتا حتى أفقد الأمل وأكذب إحساسي؟”.
ثمانية أشهر بلياليها المرهقة المتعبة القاتلة، وأيامها الثقيلة الموحشة الباكية، كفيلة بأن تذيب الصبر، لكن صبرها كونها أما لم يتصدع… وماذا بعد، ألا يتصدع قلب الأم؟ بلى، هذه الأم التي ليست كأم الطفلة المفقودة فاطمة، التي اختفت في شهر فبراير/ شباط من العام 2001… فأم فاطمة ليست موجودة وإلا تكررت مأساة الوالدتين، ولربما التقتا معا لتشد كل منهما أزر الأخرى… أم بدر تصدع قلبها، وكان الله في عونها… فهي الآن، على فراش المرض، ودخلت المستشفى لإجراء عملية في القلب.
منذ اختفاء الطفل، عكس التضامن الأهلي صورة جميلة من أجمل صور المحبة في المجتمع البحريني الذي بدأ يعاني من التشظي المرير والمؤسف!
فهذا الحادث المحزن، جمع المواطنين من الطائفتين الكريمتين في حالة إنسانية رائعة هي الصورة الحقيقية للمجتمع البحريني التي لن تؤثر عليها حالات “التشظي” تلك، وحتى اليوم، لايزال هذا التواصل مستمرا مع والدة الطفل وأسرته، وإن قل كثيرا عما كان عليه في السابق، لكن لايزال من الجيران ومن المواطنين من يتواصل مع الأسرة ليتابع احتياجاتها ويصبر الوالدة ويأخذ بخاطرها.
أم بدر، وهي على فراش المرض، تريد أن يعيش الناس، كل الناس، معها على أمل عودة الغائب… هي تشعر بأن وليدها على قيد الحياة، ولعله يكون عند أحدهم، لذلك هي ترسل رسالتها الحزينة: “نظرة عطف إلى حالي كوني أما فقدت طفلها… من يعرف أين فأرجوه يخبرني… من أخذ طفلي فليعده إليّ… سأسامح من حرمني منه ولكن فليعده إليّ… أعلم أنه حي، ولو تيقنت من أنه غادر هذا الدنيا، سأسلم أمري إلى الله، لكنني أنتظر عودته”.
هذه هي رسالة الطفل الغائب بدر من والدته، نوصلها إلى كل مواطن ومقيم… فعملية البحث مازالت مستمرة من جانب الفريق الأمني الذي تعجز الأسرة عن توجيه الشكر له وللمسئولين في وزارة الداخلية الذين هم في تواصل مستمر كما يقول ابنها محمد، وهو يعجز أيضا عن شكر كل المواطنين والمقيمين الذين بذلوا ما في وسعهم للبحث عن أخيه الصغير، بدءا من أهالي قرية سماهيج وقلالي والدير، وجميع أهالي المحرق، وعموم أهل البحرين، لكن يوصيهم بألا ينسوا والدته التي عانت الكثير حتى أرهقها المرض، وألا يتردد أي شخص عن تقديم أية معلومة مهما كانت لأنها قد تنفع الفريق الأمني المكلف بالبحث، فالأمل موجود لديه بأن أخاه على قيد الحياة، ونسيان القضية أو إهمالها من جانب المواطنين والمقيمين سيلقي بها في طي النسيان.