تعانقا طويلا صبيحة يوم العيد… كان العناق يكفي لإزالة ما علق في القلوب من أدران وآلام وجفاء… قال الأول: «هل تذكر كيف كنا نفرح بالعيد ونحن صغارا… نجوب البيوت والأحياء في سعادة غامرة… كبرنا وكبرت معنا ذكرياتنا… أخذتنا الحياة ذات اليمين وذات الشمال… تفرقنا… لسنين طويلة، لم يبادر أي منا ليلقي على الآخر تهنئة العيد… ها أنذا أبدأ بالمبادرة، ولنطوي صفحة الماضي… لننسى سنين القطيعة يا صديقي العزيز».
أجابه الثاني: «ما كان لنهار هذا العيد أن ينتصف إلا وأنا أضع يدي في يدك وأعانقك مهنئا ومعتذرا على ما بدر منك وما بدر مني… نعم، أتذكر طفولتنا وشبابنا، وأتذكر أيضا كيف لعب في رأسنا الشيطان حتى أنسانا (عيشا وملحا) بيننا… أنت لست صديق طفولتي، أنت أخي الذي افتقدته لسنوات… عيدك مبارك يا عزيزي».
***
هنيئا لمن يزرع البسمة في نفوس أطفال يتامى… ويراقبهم وهم ينطلقون مع أترابهم يتراقصون بفرحة العيد وبهجته وجديد ثيابه… كانت تلك الفتاة الشابة، كعادتها في ليالي العيد، تجوب بيوت القرية لتزور الأيتام، وتهديهم من جميل الهدايا ما يجعلهم ينتظرونها ليلة كل عيد… البارحة، وربما الليلة، وربما غدا… ستكون معهم… تزور بيوتهم كما كانت عادتها… توزع عليهم العيدية والهدايا وأكياس من الثياب والأحذية… وتدمع عيناها وهي تشاهد تراسيم الفرح على وجوههم…
ليت كل واحد منا، أو ممن حولهم يتيما أو يتيمة… من الأهل أو من الجيران… يحتضن أولئك اليتامى ولو للحظات، ويشعرهم بأن الدنيا بخير… وأن اليتم المؤلم ليس وجعا أبديا، بين أناس تمتلئ قلوبهم بالعطف والرحمة والإيمان.
***
أبدا، لا تكفي تلك البرامج والهدايا والأهازيج الجميلة التي تقام في دور العجزة لإشاعة الفرحة في نفس أب أو أمٍّ بقيا لسنين طويلة في تلك الدار، لا يرون فلذات أكبادهم إلا فيما ندر… بادرة طيبة وكريمة تلك التي يقوم بها المسئولون في دور العجزة لمؤانسة الآباء والأجداد الذين يقضون ما بقي من أيام حياتهم هناك… قد نشاهد أحدهم يصفق مبتسما وهو يشارك من حوله في أهزوجة من أهازيج العيد… أو يتبادلون التهاني والعناق بأجسادهم الضعيفة الهزيلة… لكن لا يعادل فرحتهم برؤية عيالهم وعيال عيالهم فرحة أخرى… الدور قريبة، والأعزاء هناك… لا أكثر من ساعة زمن نقبل رؤوسهم ونهنئهم بالعيد السعيد، وإن كان في المنزل متسع، فعودوا بهم ليقضوا الباقي من أيام العمر… وسط دفء العائلة، وليكون عيد الأضحى المقبل، من أجمل الأعياد في حياة تلك الشموع.
***
أبي:
كيوم العيد أنت وصوتك الحاني
جميل أعذب من كل ألحاني
يهز عميق وجداني ويسعدني
كترتيل على شفتيك روحاني
***
أمي:
امسحي راسي يا يمه
واهدي قلبي قبلتين..
قبلة ترويني بحنانك..
قبلة تبقى بعمري دين.
عيدكم مبارك، وعساكم من العايدين والسعيدين