لم تسمع بلادنا أصواتا مدوية، وقبضات حديدية متأهبة، وتهديدا ووعيدا ضد المتورطين في «الفساد»، طوال عقود من الزمن، مثلما شهدته خلال السنوات العشر الماضية، لكن، مع شديد الأسف، فإن الأصوات المدوية مستمرة في الارتفاع، والقبضات متأهبة والتهديد والوعيد قائم، لكن «الفساد» لايزال حرا طليقا هنا وهناك.
يا ترى، أين يقع مكمن الخلل؟ هل في صدق نوايا مكافحي الفساد وقوتهم؟ أم في قوة الفساد وأهله؟ ولماذا لا (يخاف) المفسدون مما ينتظرهم؟ هل لأنهم يعلمون بأن لا أحد يستطيع كشفهم ومحاسبتهم؟ أم لأنهم أبرياء مساكين مظلومون؟ أم لأنهم يعلمون بأنهم مفسدون ويعلمون في الوقت ذاته أنهم، مع ذلك، مكرمون محميون؟
لا طريق للوصول إلى المتورطين في الفساد غير طريق الرقابة وتنفيذ القانون، ولهذا، أرى أن وزير المالية الشيخ أحمد بن محمد آل خليفة كان واضحا في جلسة مجلس النواب يوم أمس الأول الثلثاء حينما قال: «لا يوجد أحد يحمي الفساد وإن أي نائب لديه دليل على فساد فلنذهب معا إلى التحقيقات ونقدم الأدلة ضده ونستطيع أن نذهب معكم إلى النيابة العامة»، مستدركا في جزئية مهمة وهي أن (يكون لدينا من الدليل ما يكفي وعندما نتأكد، سنذهب قبلكم) في خطاب إلى النواب.
المهم، أن رئيس ديوان الرقابة المالية حسن الجلاهمة طمأن النواب بأن الديوان – إذا اتضح أن هناك أدلة جنائية – فسيأخذها إلى النيابة، إذ تم تحويل أكثر من موضوع إلى النيابة العامة، ولهذا، فإن المرتقب هو أن يعرف الناس أن هناك مسئولين أو موظفين أو جهات تورطت في قضايا (فساد)، وأن هناك أحكاما عقابية لن يفلتوا منها.
كلنا نعلم أن الفساد، سواء كان في مجتمعنا أو في أي مجتمع آخر، هو العدو الأول والأكبر والأشرس ضد التنمية، وضد حصول الناس على حقوقهم وتمتعهم بخيرات البلد، وكلنا نعلم أن بقاء ملفات حساسة لها تبعات عكسية مضرة ومقلقة، هو بسبب التهاون مع أي طرف متورط في فعل إفساد مخالف للقانون، ولهذا فإن بعض القضايا التي طرحها النواب وتناولتها الصحافة عن توقيف مسئولين تورطوا في الفساد، أثارت حالة من التفاؤل في أن الحرب ضد الفساد والمفسدين لن تكون هينة، لكن ذلك يستوجب إطلاع الناس على ما تم اتخاذه من عقوبات ضد المتورطين.
السؤال الذي طرحه ذات مرة رئيس اللجنة المالية في مجلس النواب عبدالعزيز أبل بشأن ما إذا كانت الحملة ضد الفساد جادة أم طارئة لمعاقبة بعض الأفراد سؤال محوري، فإذا كانت جادة، فذلك يستدعي أن تكون لها ضوابط أهمها أن تكون متسمة بالشفافية وأن تصدر تقارير سنوية وضوابط تنظيمية، وأن تطال أي مسئول تثبت ضده تهم الفساد لإكساب هذا التوجه صدقيته.
أما أن تسرح الزمر الفاسدة وتمرح، فيا ليل… ما أطولك.