هذه هي الحلقة الأخيرة من سلسلة (في رحاب الحسين «ع»)، ألتمس فيها من القراء الكرام – بدايةً – أن أشير إلى عدة نقاط قبل الدخول في صلب الموضوع الذي أثاره الخطيب الحسيني الشيخ زمان الحسناوي النجفي ليلة التاسع من المحرم بمأتم الدارة في البلاد القديم لما له من أهمية، ولما خلفه من نقاش بين الحضور وخصوصاً المنصفين منهم.
من هذه النقاط، توجيه الشكر الجزيل إلى القيادة الرشيدة على ما قدمته من تسهيلات وخدمات طيلة عشرة الذكرى الأليمة، وخصوصاً فيما يتعلق بتغيير مواعيد احتفالات البلاد بالعيد الوطني المجيد وعيد جلوس جلالة الملك التي تزامنت هذا العام مع ذكرى استشهاد الإمام الحسين «ع»، وإن دل ذلك على شيء، إنما يدل على حقيقة الاحترام الكبير لهذه الذكرى بين أهل البحرين، قيادةً وحكومةً وشعباً، ومهما كانت القضايا الخلافية والملفات المؤرقة التي يعاني منها المجتمع البحريني، إلا أن ما قدمته الدولة من خدمات يستحق الشكر، وإن كانت هناك ثمة تجاوزات أو استفزاز أو ممارسة خاطئة حدثت فعلاً، فمن المهم أن نؤكد على ضرورة أن تزال تلك الصور المرفوضة أياً كان الطرف المتسبب فيها ومساءلته بالقانون.
ومن النقاط التي أود الإشارة إليها، توجيه الشكر والتقدير لكل القراء الكرام الذين تفاعلوا مع السلسلة وأفادوني كثيراً بملاحظات ووجهات نظر تصب في جوهر قضية الحسين «ع» كقضية يستمر إسقاطها المؤثر في الضمير الإنساني انطلاقاً من الدين الإسلامي ورسالته العظيمة في كل زمان ومكان، والشكر موصول إلى كل الخطباء والمشايخ واللجان التي أشرفت على الفعاليات الحضارية الرائعة التي تعكس مكانة الذكرى وإلى كل المعزين.
وعودةً إلى العنوان: «عفواً يا شيخ زمان… خطابك كان قاسياً»، فإنني أود التأكيد على أن القسوة المشار إليها ما هي إلا (قسوةً محمودةً)! كيف؟ إن الموضوع الذي طرحه الشيخ زمان الحسناوي من الجرأة بحيث انتقد بكل صراحة الممارسات المنتشرة بين شريحة كبيرة من الشباب الذين يسلمون عقولهم للتبعية دون إعمال للعقل، ودون سعي للتعلم واستخدام منهج البحث العلمي، بحيث يضعون في رؤوسهم تبعية لأشخاص وتيارات وأفكار ليستخدموها في إثارة العداوة والبغضاء والتناحر المخالف للشرع والأخلاق والفطرة السوية بين بعضهم البعض، ولم يكن الشيخ زمان مخطئاً حين أشار إلى ما فعله أحدهم حين اختلف معه في معلومة معينة فراح ذلك الشاب يرسل الرسائل الهاتفية إلى مجموعة من معارفه يؤلب فيها المواقف ضد الشيخ، وتقوم تلك المجموعة دون تفكر، بإرسالها إلى مجموعة أخرى لتكبر مجموعة «الأغبياء»… وللأسف الشديد، هذا السلوك منتشر بدرجة كبيرة في المجتمع البحريني ولا يمكن تجاهله أو إنكاره.
فليكن خطاب الشيخ زمان قاسياً، وكم نحتاج إلى خطابات تتميز (بالقسوة المحمودة) للتصدي للأفكار المنحرفة وخصوصاً تلك المنتشرة بين الشباب، وحريٌ الإشارة إلى أن من أهم ما لفت إليه الشيخ في خطابه هو أن الأصل مناقشة فكرة الشخص، وليس النيل من الشخص! فمناقشة الفكرة شيء، والهجوم على صاحبها والنيل منه والإساءة إليه شيء آخر.
إن ذكرى عاشوراء الحسين «ع» كما أسلفت في الحلقات الماضية، هي ذكرى لبناء شخصية الإنسان المسلم ضمن منظومة التعاليم والقيم والمبادئ الإسلامية الحنيفة، وليس ميداناً لإثارة الأحقاد والعداوات، واليوم، وبعد ختام الموسم، حريٌ بكل واحد منا أن يجلس بينه وبين نفسه ويجيب على سؤال مهم: «هل أنا ممن يحملون مبادئ النهضة الحسينية فكرةً وتطبيقاً وأخلاقاً وعلماً وعملاً ينبض بالضمير الإسلامي الحي؟ أم من الذين (على قلوبهم) أقفالها؟».
نسأل الله أن يعيد علينا هذه الذكرى العظيمة في خير وعافية فنحييها بقلوب ملؤها الالتزام بالدين الإسلامي الحنيف كأهم هدف من أهداف النهضة الحسينية، ويحفظ بلادنا الغالية من كل مكروه، ويعيد أيامنا الوطنية والبحرين في تطور وسلام وأمن وأمان… اللهم آمين