في شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي 2010، أثار مركز الدراسات العربي الأوروبي، ومقره في العاصمة الفرنسية باريس، حواراً مفتوحاً حول كيفية تحقيق الأمن والاستقرار في منطقة الخليج، وطرحت آراء متنوعة مهمة، لكن تصدرتها الآراء التي أشارت الى الوجه القبيح لطبائع الاستبداد في الدول العربية كأكبر خطر لانعدام الاستقرار.
ويبدو أن الهم مشترك بالنسبة للمواطن العربي من المحيط الى الخليج! فهذا المواطن يرى أنه لا أمن ولا استقرار من دون ديمقراطية حقيقية وتعددية سياسية واحترام لحرية الرأي والتعبير بما لا يتنافى مع المصلحة العامة، ولهذا طرح عدد من الباحثين العرب مداخلات مهمة بالإشارة الى أن هناك حاجة لعمل جاد من أجل تطوير النظم السياسية بما يتناسب مع كل دولة على حدة، وبما يواكب تطلعات الشعوب وبما يسهم عملياً في توسيع دائرة المشاركة السياسية ويحقق مبدأ المواطنة المتساوية وتعزيز عمل منظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان.
وهناك مسارات أخرى يتوجب وضعها في الاعتبار، فهي على رغم أهميتها، تعتبر مهملة وغير ذات بال بالنسبة للكثير من الأنظمة العربية، وعلى رأسها تطوير اقتصاديات هذه البلدان بما يجعلها تتحول إلى مرحلة الانتاج الحقيقي وبما يضمن تشكيل البدائل الموضوعية للثروة النفطية، وكذلك تجفيف منابع الإرهاب بالنظر إلى أصوله وجذوره والتي منها الفساد والفقر والبطالة وموائل التطرف الديني وتعزيز ثقافة الانفتاح والاعتدال والوسطية ونبذ ثقافة الكراهية والقضاء على كل مايؤدي إلى تعزيزها وتناميها في الأوساط الاجتماعية.
وقد أثار النقاش حالاً من الاتفاق بين المشاركين على أهمية تطوير النظم القضائية بما يحقق العدالة والاحتكام للقانون المنصف ليكون مظلة للناس بدلاً من تراجعهم للنظم القبلية والأسرية والفئوية التي تكرس الانقسام في المجتمع، وتهدد التعايش والسلم الأهلي، ثم تطوير النظم الأمنية وتصحيح مسارها بما يكفل أن تكون حارسة للأوطان والشعوب لا مصدر إقلاق وترويع، وخصوصاً في الدول التي تحولت الى المنهج البوليسي المطلق في التعاطي مع مشاكلها.
أما الخطر المقلق الذي بدأت مؤشراته تظهر في العديد من الدول العربية، وينذر بعواقب وخيمة، فهو تردي الأوضاع المعيشية وارتفاع الأسعار وانخفاض الأجور من جهة، وانتشار البطالة بين الشباب من جهة أخرى، ولهذا، فلا مناص من أن تدرك كل الأنظمة بأن تحقيق الأمن والاستقرار لا يتأتى إلا في ظل إرساء الديمقراطية الحقيقية والعدالة الاجتماعية… لكن ما يثير القلق بدرجة أكبر، هو أن غالبية المشاركين الخليجيين والعرب أجمعوا على أن النتيجة الحتمية هي ظهور المزيد من الاضطرابات والصدامات والتوترات خلال السنوات القادمة، لأن الأنظمة العربية لن ولن تسمح بأن تغير طبائع الاستبداد.