لا شك في أن لقاء جلالة العاهل برؤساء وإداريي مآتم قرى البحرين يوم أمس الأول الثلثاء، له أكثر من بعد مهم للغاية، ولعل أبرز هذه الأبعاد هو تعزيز التواصل بين القيادة الرشيدة ومختلف مكونات المجتمع البحريني، وما يترتب على هذا التواصل من مساحات شاسعة للتعبير عن الرأي وتبادل المشورة في جو من الاحترام والثقة والتعاون بين أبناء البحرين كما أكد جلالته حفظه الله.
لقد كان موسم عاشوراء هذا العام متميزاً من جميع النواحي، بل من اللازم الإشارة الى أن مواسم عاشوراء السابقة كانت تشهد تميزاً ملحوظاً عاماً بعد عام، ليس من ناحية توفير ما أمكن من تسهيلات خدمية حكومية لإنجاح الموسم فحسب، بل من ناحية تضافر الجهود الحكومية والأهلية في التنظيم والقيام بالأدوار، وهنا، يشرفنا أن نرفع جزيل الشكر والثناء الى جلالة العاهل حفظه الله ورعاه لإتاحة الفرصة لممثلي المآتم لحضور هذا اللقاء الكريم، ولتقدير جلالته للجهود والتسهيلات التي قدمتها وزارات ومؤسسات الدولة للمشاركين في الموسم الذي شهد تعاوناً كريماً لإحياء هذه المناسبة الدينية المكانة العالية ذاتها في نفوس المواطنين.
ومن الأبعاد المهمة للقاء، والتي يجب استثمارها بصورة تسهم في تغيير الأفكار المغلوطة عن دور المأتم الحسيني، هو احترام الاختلاف في وجهات النظر، وفي الوقت ذاته، إعطاء الفرصة للجميع للتعبير عن رأيهم وإبداء المشورة، وهذه النقطة تحديداً، لفت جلالته إليها بالقول إن المشورة موضع تقدير، وهذا يعني أن يكون المنبر الحسيني منطلقاً لطرح القضايا التي يتوجب إيصالها الى قيادة البلاد، ولكن بالصورة التي يمكن من خلالها تحقيق مصلحة الوطن والمواطنين.
ومن هذا البعد، يمكن أن نفهم بجلاء، أن القضايا والملفات المهمة والمطالب المشروعة حين يتناولها المنبر الحسيني، فإنها تأتي بثمارها إذا كان أسلوب الطرح والمعالجة يرقى الى مستوى تقديم المصلحة العليا من جهة، وتفهم المسئولين المعنيين لحسن نوايا هذا الطرح من جهة أخرى… وكلما انعدمت الثقة، كلما تضاعفت احتمالات النفور والصدام التي ينتج عنها وضعاً مضطرباً.
لقد تميز الكثير من الخطباء هذا العام في تناول قضايا ومواضيع ذات صلة بالحياة اليومية:السياسية والثقافية والاجتماعية والفكرية، بصورة تعكس الرغبة في الخروج من الأزمات وإنهاء المشكلات القائمة، لكن هذا الطرح، يلزم أن يقابل من الجهات المعنية بسعة صدر ونوايا حسنة، وأن يتعامل كبار المسئولين المعنيين في مختلف الأجهزة الحكومية مع هذه الحالة الصحية من باب (القيام بالمسئولية الوطنية لخدمة المجتمع)، وهذا ما طرحه جلالة العاهل بقوله إن البحرين لن تألو جهداً في سبيل تسهيل جميع الإجراءات المتصلة بالمناسبات الدينية والمساعدة في إحيائها بما يحقق أهدافها في ترسيخ قيم التضامن والمحبة والتعاون بين أبناء البحرين جميعاً.
إذاً، الخطاب المنبري المعتدل البعيد عن التحريض والتأليب والكراهية والتصادم، والمخلص في طرح قضايا الناس وإيصالها الى القيادة، هو أصل المنبر الحسيني الذي يشيع المحبة والتلاقي وتجاوز المحن والخلافات، وهذا هو العهد دائماً في الرسالة المنبرية… كل الشكر لجلالة العاهل المفدى، ولكل الجهات التي أسهمت في نجاح الموسم، ونسأل الله أن يعيد الجميع على هذه المناسبة العزيزة، والبحرين، ملكاً وحكومةً وشعباً، في تقدم ورفعة وأمن وسلام.