ذات ليلة، جلس الحصان المغلوب على أمره مع جارته الناقة المكسورة الخاطر يبكيان بكاءً شديداً على ما حلَّ بهما رغماً عنهما! ففي يوم كئيب كالح السواد عليهما وعلى بعض معارفهما من الخيول والنياق والجمال، تم إجبارها جميعاً من قبل عصابة شريرة مجرمة من (البلطجية)، لأن يخرجوا من إسطبلاتها ومضاربها من أجل أن تمارس (القمع)!
كان ذلك اليوم، هو اليوم الأول في حياة الحصان والناقة الذي عرفا فيه معنى (القمع) والهمجية والشر المستطير الذي لم يعرفاه طيلة حياتهما – وإن كانا يعلمان أن من أجدادهما وسلالاتهما في العهود الغابرة، من شارك في حروب وغزوات ونهب وسلب – لكنهما يعلمان أيضاً أن تلك العهود ولَّت إلى غير رجعة! وعلى الرغم من أن كلاً من الحصان والناقة كانا يعلمان جيداً أن هناك بشراً أقل منهما مستوىً، كونهما (بهيمتان) ينشدان الأمان والسلام والعيش بطمأنينة ويكتفيان ببعض العشب والعلف وإسطبل متواضع، في حين أن أولئك البشر (البلطجية) يعيشون وفق شريعة الغاب، ويتوقون لشرب الدماء وترويع الأبرياء.
قال الحصان بزفرة حارة مخاطباً جارته الناقة: «قاتلهم الله… أرأيتِ يا جارتي العزيزة ما الذي حلَّ بنا اليوم على أيدي أولئك المجرمين السفلة؟ كنا في حالنا فإذا بهم يخرجوننا من منازلنا على حين غفلة… كنت أظن أن الأمر طبيعي كما اعتدنا، لكنني فوجئت بأننا وسط ألوف مؤلفة من البشر… بعضهم يصرخ وآخر يهتف وثالث يرمي الحجارة ورابع دمه يسيل… هي المرة الأولى يا جارتي العزيزة التي شعرت فيها بأنني (حيوان حقير)! لكنها المرة الأولى التي أكتشف فيها أن من كان يجلس على ظهري (حيوان) أيضاً».
تنهّدت الناقة بحسرة لكنها وبّخت جارها الحصان بقولها: «يا جاري العزيز… لا تقل عمّن كان يجلس على ظهرك إنه (حيوان)! فالكثير من الحيوانات أكرم منه… ألست تذكر حكاية الكلب مع الحمامة… تشهد للجنسين بالكرامة… وأنا مثلك تماماً يا جاري العزيز… وجدت نفسي أركض وسط ميدان لأقمع الناس كما كان البلطجية يقمعون… أدوس كما كانوا يدوسون… ثم أهرب كما كانوا يهربون… لكن الفرق بيني وبينهم… أن بعض الناس انهالوا عليهم بالضرب لكنهم لم يضربوني… بصقوا في وجوههم لكنهم لم يبصقوا في وجهي… وصفوهم بالعار وبالخيانة وبالغدر وبالإجرام… لكنهم لم يصفوني بذلك».
وعلى رغم الألم والوجع الذي كان يشعر به الحصان لكنه تبسم قائلاً: «يا جارتي الناقة… أشكرك لأنك تسلّيني وتعزّيني بحكاية صديقنا الكلب وحبيبتنا الحمامة… ياااااااااااه… ما أجملها من قصة أين عنها بني البشر؟ وجزى الله عنا أمير الشعراء أحمد شوقي خيراً.. ابن مصر العظيمة الذي خلد تلك القصة في قصيدته… فعلاً، أظن أنني أخطأت بوصف من كان يجلس على ظهري بأنه حيوان! لكنها اللوعة يا جارتي… اللوعة… لقد شاهدت أمراً جللاً لم أشاهده طيلة حياتي… ما ذنبنا نحن الحيوانات يا جارتي… ما ذنبنا حين نكون أشرف من البلطجية وأعلى مقاماً؟»… ثم أنشدا بضع أبيات:
حكاية الكلب مع الحمامة
تشهد للجنسين بالكرامة
يقال كان الكلب ذات يوم
بين الرياض غارقاً في النوم
فجاء من ورائه الثعبان
منتفخاً كأنه الشيطان
وهمَّ أن يغدر بالأمين
فرقَّت الورقاء للمسكين
إلى أن قالا:
هذا هو المعروف يا أهل الفطن
الناس بالناس ومن يُعِن يُعَن