سعيد محمد سعيد

فواز الشروقي… هل افتقدت القرية؟

 

ذات يوم ليس ببعيد… كان بحارة الحد يجأرون بالشكوى مما فوجئوا به من تدمير لساحلهم ومرفئهم وتعرض أرزاقهم وأرزاق عيالهم جراء ما حل بساحل الحد العريق من مصيبة بسبب ذلك التدمير الناتج عن المشروعات القائمة هناك.

لم يكن البحارة يتمنون أكثر من أن تخصص لهم الجهات المعنية مرفأً مناسباً يطلون به على البحر، وقد حاولوا مراراً وتكراراً عرض شكواهم في الصحافة لكنهم لم يجدوا آذاناً صاغية! في تلك الفترة، كان الزميل الكاتب والأديب والشاعر المبدع فواز الشروقي قد ترك العمل في الصحافة، لكنه مع ذلك، أخذ على عاتقه أن يوصل صوتهم الى المسئولين، ووجدته يتصل بي لإجراء تحقيق صحافي لمعاناة بحارة الحد، وقبل أن أشرع في إعداد الموضوع، وجدت الزميل الشروقي وقد أجرى كل اللقاءات مع البحارة وأرسلها جاهزة للنشر… كل ذلك لأنه كان صادقاً في ايصال معاناة البحارة ولم يألُ في ذلك جهداً.

قبل أيام، كان النص الرائع للشروقي يتحدث عن جاره (أبي محمد) الذي غاب عن الوعي، وفي غمرة المشاعر الحزينة مما تشهده بلادنا من آلام، كان الشروقي يرمز الى النفس الطائفي البغيض الذي ألم بالبعض ممن يسهل اصابته بالفيروسات الطائفية بلا رادع ديني أو وطني أو انساني، وتمنى ألا يفيق (أبا محمد)، وهو البحريني ذو النفس الطيبة المحبة لكل أبناء البلد، حتى لا يصيبه الوجع القاتل لما حل بالبلاد الطيبة، بل وكان الشروقي يخاطب جاره الغائب عن الوعي بما معناه أنه اذا كان سيفيق من غيبوبته، فليكن هو مكانه… أبعد الله عنك وعن أبي محمد وعن كل أهل البحرين كل سوء ومكروه يا بو ريم.

الزميل فواز الشروقي، لم يتغير أبداً منذ أن عرفته صحافياً خريجاً متدرباً في أواخر التسعينيات، وحتى يومنا هذا، فإنني ألقي بثقل الأوجاع والآلام والهموم عليه كلما نزلت بنا نازلة، وهو كذلك يفعل، فهو وأنا نعتز بأخوتنا التي لم تتأثر برياح الطائفية التي تصر جماعات وأفراد وإعلام على بثها في المجتمع البحريني، وفي قناعتي، فإن هذا هو حال كل البحرينيين الشرفاء من الطائفتين الكريمتين الذين لا يرضون لكائن من يكون أن يدمر علاقاتهم الطيبة أياً ما كانت الأزمات والظروف، وفواز، واحد من الكتاب والأدباء الذين لا يرتضون للدعوات المذهبية التفتيتية أن ترتفع وتنال من السلم الاجتماعي.

فواز الشروقي… هل افتقدت القرية؟ لا أعتقد ذلك أبداً، فالقرية البحرينية كما هو يصرح، وهو ابن قرية بحرينية عريقة هي قرية «قلالي»، كيان أصيل يجمع أهل البلد بالحب والكرم والأخوة، حتى أنني لجأت له ذات مرة عندما كنت أحرر صفحة (القرية) استعداداً لكتابة ريبورتاج خاص عن قرية «قلالي» فتحدثت معه وأسعدني كثيراً حينما طلب مني الاتصال بوالده الكريم الذي ملأ مسامعي كلاماً طيباً عن تاريخ قريته الجميلة، وعن علاقات أهالي القرى وتحابهم، وذلك الكلام الطيب ينم عن خلق ديني وبحريني أصيل لا يخلط الحابل بالنابل، ولا يستغل الظروف ليثير النعرات الطائفية بين الناس.

كنت من الناس الذين يحرصون على حضور لقاء في منزل الحاج ميرزا المحاري، والد الزميل جميل ميرزا، في قرية القدم ثاني أيام كل عيد سعيد، وكان فواز معي ومعنا غيرنا من أبناء الطائفتين الكريمتين… فهذه اللقاءات في حقيقتها هي الحصن القوي والصرح الشامخ في وجه كل الأفكار الطائفية أياً كان مصدرها… وعلى أي حال، فإن الكثير من المجتمعات العربية اليوم ستشهد حركات وانتفاضات ولن يسلم منها أي بلد، لكن الخطر كل الخطر، أن يخضع الناس لطائفية الدول ودول الطائفية لينالوا من بعضهم البعض.

فواز… أتذكر أنك قلت لي قبل أيام، أن ما يحدث في البحرين لا يجب أن يدمر المشاعر الأخوية والأسرة الطيبة بين أبناء الطائفتين الكريمتين، وأننا في حاجة إلى أن نضمد الجراح، ونحن قادرون على ذلك، وأصدقك القول يا (بوريم)… أنا معك، ولاشك أن الآلاف من البحرينيين معنا.

وسيبقى شعارنا الحقيقي: «إخوان سنة وشيعة… هذا الوطن ما نبيعه»

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

سعيد محمد سعيد

إعلامي وكاتب صحفي من مملكة البحرين، مؤلف كتاب “الكويت لاتنحني”
twitter: @smsmedi

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *