سعيد محمد سعيد

توظيف القضايا المذهبية في الصراع السياسي (1)

 

على مدى السنوات العشرين الماضية، ولنقل منذ مطلع التسعينيات حتى اليوم، باعتبار أنها مرحلة شهدت تنامياً مقلقاً على صعيد الصدامات المذهبية في العالم الإسلامي، باءت كل محاولات وجهود علماء الأمة (المعتدلين) في صد مخاطر تلك الصدامات بالفشل!

لكن، على أي أساس حكمت عليها بالفشل؟ ولماذا باءت بالفشل؟ والإجابة ترتكز على أن كل المؤتمرات التي عقدت في عواصم عربية وإسلامية للحفاظ على ما تبقى من احترام للمذاهب والأديان بين أبناء الأمة، حطمها تحطيماً ذلك المد المتنامي من قبل جماعات متشددة تؤمن بالفكر المتطرف والتي سعت بشكل احترافي الى توظيف القضايا المذهبية في الصراعات والخلافات السياسية والعكس صحيح، فيما كان بعضها ولا يزال مدعوماً من حكومات وجماعات نفوذ وتمويل داخلي وخارجي… قانوني وغير قانوني.

وتحضرني بضع مقاطع من الداخل البحريني حذرت من هذا الصدام، فوكيل الشئون الإسلامية وعضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية فريد المفتاح هو واحد من العلماء الذي حمل على عاتقه مسئولية الدعوة الى تجديد الخطاب الديني، وعدم الاحتكام الى كتب التاريخ وغيرها، باعتبار أن ذلك هو السبيل لنبذ الفرقة بين المسلمين وتوحيدهم ونشر الإسلام وقيمه، وكذلك، ولأهمية ترميم العلاقات وردم الهوة بين أتباع المذاهب الإسلامية في البلاد العربية والإسلامية بخطاب إسلامي معتدل، كان خطيب جامع عالي الكبير فضيلة الشيخ ناصر العصفور يحذر بصورة أخرى من تضرر العلاقات بين أبناء الأمة جراء تصاعد موجة الصراع والفتنة الطائفية، إذ تم استغلال القضايا المذهبية وتوظيفها في الصراع السياسي والتجاذبات المحمومة، وخصوصاً بعد الحرب على العراق.

ومع ذلك، وهذه هي النقطة الجوهرية، فإن هناك الكثير من أبناء الأمة، ومنهم من هو على مستوى من التعليم، يحصر نفسه في اتباع فتاوى (الشياطين الخرس)، كما أسماهم الباحث الكويتي الدكتور عبدالله النفيسي في محاضرة قدمها لهيئة التدريس بجامعة الكويت قبل أيام قليلة مضت… بل وزاد قوله إن أولئك (لا يباعون ولا بفلس) ولا يجب أن نأخذ منهم فتوى! وهو محق في طرحه! ذلك أن الأمة الإسلامية ابتليت بشخصيات تلصق أنفسها بالعلم والفقه والدين، من كل الطوائف والمذاهب، وعلى الخصوص أصحاب الفكر المتشدد، ليبثون سمومهم الفتاكة في جسد الأمة، ومع شديد الأسف، فإن الكثير من الحكومات في العالم العربي والإسلامي، تكشر وجوهها رافضةً هذا السلوك المدمر أمام مرأى الرأي العام من جهة، وتظهر سرورها ورضاها بما يحدث في الخفاء من جهة أخرى.

ما يهمنا هو الوضع في بلادنا، والذي يمكن أن نصفه، بأنه وعلى الرغم من وجود خطاب ديني ناشز قبيح فتنوي، إلا أن من الواجب على الدولة وعلى كل المواطنين، عدم السماح لأي خطاب تفوح منه روائح الموت والتفتيت والتشفي والانتقام، ووفقاً لمتطلبات المرحلة الحساسة التي تمر بها بلادنا، فالجميع في حاجة الى أن يجتمع أهل البلاد تحت مظلة التسامح والمحبة والتآخي، وخصوصاً أن جلالة العاهل الملك حمد بن عيسى آل خليفة، الراعي الأول لهذا التوجه من خلال اللقاءات المستمرة مع علماء الدين الأفاضل كما يعلم الجميع… لكن، ما الذي سيحدث لو استمر وجود نفر من ذوي الخطاب المتشدد في بث سمومهم القاتلة؟

للحديث صلة

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

سعيد محمد سعيد

إعلامي وكاتب صحفي من مملكة البحرين، مؤلف كتاب “الكويت لاتنحني”
twitter: @smsmedi

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *