سعيد محمد سعيد

الحكومات العربية والإسلامية: أعداء حقوق الإنسان!

 

يبدو مستغرباً ذلك العداء الشديد بين الحكومات العربية والإسلامية، عدا القليل النادر منها، مع حقوق الإنسان! ولا يمكن المقارنة بين حكومات تدين بالدين الإسلامي الذي رسخ الحقوق والواجبات في أعظم دستور وهو القرآن الكريم، وبين دول آسيوية أو إفريقية أو غربية بشكل عام (من درجات الدول القمعية) تمارس أبشع الممارسات ضد حق الإنسان في الحياة بصورة مطلقة، حيث لا دستور لها إلا الاستبداد.

حقوق المواطن في الدول العربية والإسلامية عموماً تتردى عاماً بعد عام، بغض النظر عن البهرجات الإعلامية المستهلكة جرّاء تشكيل الجمعيات والإدارات والمراصد، ولهذا فإن البرهان الأول والأقوى على استمرار التدهور هو الاستهداف الملحوظ للناشطين والحقوقيين والعاملين في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان كما أثبتته تقارير المنظمات الدولية ومنها منظمة (هيومن رايتس ووتش) التي أثبتت تدهور حقوق الإنسان من خلال المحاكمات غير العادلة في القضايا السياسية وتضييق المجال على الصحافيين المستقلين والجمعيات في عملهم على مستوى 15 دولة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وكان العام 2009 تحديداً هو العام الأسوأ لانتهاكات حقوق الإنسان والذي شهد (هجمة منسقة) ضد المدافعين عن حقوق الإنسان والمنظمات التي توثق الانتهاكات، وتلك الدول لا تستحي؟ فهي تستعرض من خلال وفودها وممثليها عضلات كارتونية في المحافل الدولية وإنجازات (قل نظيرها) بإتقان لا مثيل له في التزوير والكذب والخداع، دون اكتراث لانعكاسات ذلك الأداء المسرحي الفاشل على سمعتها وعلى رصيدها في مجال حقوق الإنسان.

ويتضاعف التردي في بعض الدول العربية والإسلامية كلما واجهت ثورات أو حركات مطلبية كما شهدنا من مشاهد مفجعة منذ انطلاق ما يسمى بالربيع العربي وأفضل تسميته بربيع المطالبة بالحقوق الدستورية في العام 2011 والذي يعتبر أشد وطأةً من العام 2009 بالنسبة للحقوقيين، فأبسط ردود فعل تلك الحكومات هو ملء المعتقلات وسفك الدماء باعتبار أن أولئك المجرمين (الخونة) إرهابيون أو متآمرون مع الخارج وأنهم يستحقون التطهير تارة، والإبادة تارة، والتخوين تارات وتارات.

ترى، ما هو السر في إصرار معظم الحكومات العربية والإسلامية على (طحن) مواطنيها فيما هي تضع في دساتيرها القرآن الكريم كمصدر رئيس للتشريع؟ والدين الإسلامي يحرم بشدة انتهاك الحقوق؟ وتستحدث التشريعات في مجال حقوق الإنسان كحبر على ورق فقط؟ هذه النقطة طرحتها ذات مرة على وزير حقوق الإنسان العراقي السابق بختيار أمين في إحدى زياراته إلى البحرين، وكان يختصر الإجابة في أن الاستبداد هو السبب الأول! كما أن تلك الدول عادةً ما تعلن – بخبث – نوايا ووعود من دون خطط وسياسات والتزامات عملية للإصلاح الديمقراطي في إطار خطة زمنية، وإصرار الحكومات على المماطلة واستهلاك الوقت، والإصرار على عدم احترام المعايير الدولية الدنيا لحقوق الإنسان، بما يكرس تدني وضعية شعوب المنطقة مقارنة ببقية شعوب العالم، وذلك كله (خداع) للرأي العام العربي والمجتمع الدولي، في حين تتصاعد في بعض الدول العربية حالات قمع المعارضة السياسية والمدافعين عن حقوق الإنسان.

لقد مرت المنطقة العربية فيما مضى من السنين بمرحلة فارقة، تقدمتها استحقاقات حاسمة تجاه قضايا الأمة، وعلى مستوى السلم الأهلي ووحدة التراب الوطني، وعلى مستوى الإصلاح والانتقال الديمقراطي في الكثير من البلدان العربية، ومن قبل ومن بعد، كانت هناك خيارات التنمية والسياسات الاجتماعية والتعاون الاقتصادي العربي بين أزمتين عالميتين، عصفت أُولاهما بنصف أموال الصناديق السيادية العربية، وتتجمع نذر أخراهما في أفق الاقتصاد العالمية، وقد أضاعت بعض البلدان العربية، في معرض استجابتها لهذه التحديات، فرصاً يندر أن تجود بها المسارات المتغيرة في الواقع العربي المضطرب، وبدّدت بلدان أخرى خيارات تشق طريقاً إلى مستقبل أفضل لا يكون مجرد امتداد خطي لواقع مأزوم، وتبنّت في حالات ثالثة أسوأ الخيارات، سعياً وراء سراب، فلم تتعلم فيها درس التاريخ أو تستلهم خبرتها الذاتية. (انظر – مركز دراسات الوحدة العربية – كتاب التقرير السنوي 2009-2010 بعنوان «حقوق الإنسان في الوطن العربي: تقرير المنظمة العربية لحقوق الإنسان عن حالة حقوق الإنسان في الوطن العربي»).

بالتأكيد، كان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948، مدخلاً كبيراً في تغيير الفكر الإنساني معرفياً وسياسياً واجتماعياً، ذلك أن التصور الدولي لحقوق الإنسان انتهى إلى خلاصة مؤدّاها أن التنمية في عمقها هي تحقيق حقوق الإنسان، وأن هذه الأخيرة لا يمكن تحقيقها إلا في مجتمعٍ مندرج في سياق عملية تنموية شاملة، وهكذا يبدو غريباً جداً أن ترى الدول العربية في قضية حقوق الإنسان قضيةً ثانوية وليست على جانب كبير من الأهمية، إلى جانب قضايا التنمية والتحديث والحفاظ على أمن واستقرار أنظمتها.

إن مشهد حقوق الإنسان وفقاً لذلك وكما هو في الواقع مشهدٌ قاتم وكئيب إلى الدرجة التي يلحّ فيها السؤال علينا: هل يمكن الحديث عن حقوق الإنسان في العالم العربي؟ فلقد أصبح من الطبيعي جداً أن نقرأ في التقارير السنوية التي تصدر عن المنظمات المختلفة وتحاول أن ترصد حقوق الإنسان في الوطن العربي عبارتي: «ممارسة الحقوق الأساسية: نمط ثابت من الانتهاك» و «ممارسة الحريات الأساسية: تراجع مطَّرد»! متى تقدمت حتى تتراجع؟

إن التنافر بين الحكومات العربية شديد للغاية في غالبية المسائل السياسية، إلا أنها مع ذلك تآلفت ضد أي اعترافٍ دولي بالمنظمة العربية لحقوق الإنسان! ولا ترى الحكومات العربية التي تظهر عداءها الواضح لمثل هذه المنظمات، لا ترى فيها سوى عدوّها الأمني الذي يشلُّ عمل الأجهزة الأمنية، وكأن مهمة الأجهزة الأمنية ليس سوى انتهاك حقوق الإنسان. (انظر كتاب: مسيرة حقوق الإنسان في العالم العربي – رضوان زيادة – المركز الثقافي العربي – ص238).

ختاماً، لو ألقينا نظرة على توصيات المؤتمرات والمنتديات الحقوقية في الوطن العربي، فسنجد أن المطالب تتمحور حول حق الإنسان في الوطن العربي والإسلامي في محاكمة عادلة وتأكيد حمايته من التعذيب أو الإيذاء بدنياً أو نفسياً أو الإهمال ومعاملته المعاملة الإنسانية المكفولة، وعكس ذلك يعد جريمة يعاقب عليها القانون ولا تسقط بالتقادم، والتأكيد أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، وحق هذا الإنسان في حرية الرأي وإبدائه وممارسة حقه في المشاركة السياسية على أساس من المساواة والعدالة بين الجميع ويتضمن ذلك حقه في حرية العقيدة والفكر وأن تكون مكفولة للجميع، أضف إلى ذلك، الحق في المساواة وعدم التمييز على أساس اللون أو الجنس أو مكان الميلاد أو الجنسية أو اللغة أو الدين، وأن يكون الجميع متساوين أمام القانون، وهذا يتطلب استقلال القضاء وحياده بكفالة الدولة نفسها، وصولاً إلى حقه في المحافظة على أسراره، وخصوصيات أسرته، وحرمة مسكنه، وحقه في سرية اتصالاته ومراسلاته الخاصة، لكن الحكومات المستبدة تضع كل ما تقدم في خانة (الإرهاب والتآمر مع الخارج والخيانة).

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

سعيد محمد سعيد

إعلامي وكاتب صحفي من مملكة البحرين، مؤلف كتاب “الكويت لاتنحني”
twitter: @smsmedi

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *