«كريم عين»… وصف يطلقه العرب على من فقد إحدى عينيه من باب التأدّب وتفادياً لإحراج المخاطب أو التسبب في الألم النفسي له… هذا الوصف يستخدمه الناس المحترمون، تماماً كما كانت العرب قديماً – وحديثاً أيضاً – يستخدمون وصف «البصير» لمن فقد بصره، و«أبي البيضاء» للأسود، ويطلقون على الفرس الجميلة مسمى «شوهاء» خوفاً من أن تصيبها عين الحسد، وربما سمعنا عبارة «بيضة البلد» للإنسان الذي تميّز وانفرد بالنبوغ والعلم. بإمكاننا أيضاً استخدام عبارة «عار البلد» لوصف أولئك الذين انتشروا إلكترونياً عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي الحديث، بما فيهم من عور وعمى وسواد وجه وقلوب شوهاء، ليستهدفوا أعراض الناس وحرماتهم، وخصوصاً الناشطين من سياسيين وحقوقيين وإعلاميين، وإن كنا نتمنى ذلك، مع أنه سبقتهما الكثير من ممارسات العار لاستهداف المخالفين، إلا أن جماعة «عار البلد» سينشطون مستقبلاً لفقدانهم القيم الدينية ولإفلاسهم فكرياً وثقافياً واجتماعياً، وسقوطهم أخلاقياً.
وعلى أية حال، دعك من ذلك العار فهو مكر سيّئ لا يحيق إلا بأهله، فالنوايا الصادقة لأي سياسي أو ناشط حقوقي أو تيار معارض في صياغة حاضر ومستقبل الوطن، هي جسر العبور نحو تحقيق المطالب المشروعة، وهي التي يجب أن تكون «حلقة الوصل» بين السلطة والمعارضة، بعيداً عن أوصاف «الخونة والمتآمرين»، وأعلى من أفكار «عار البلد» الشيطانية، فلا يمكن أن يكون جزاء أي إنسان حمل مسئولية المطالبة بالحقوق المشروعة أن يصبح «إرهابياً صفوياً مجوسياً خائناً منحل الأخلاق» وفق أمزجة الخيل والليل والسلاح والعسكر… تلك فكرة بائسة يائسة تعرف أهلها ويعرفونها.
لذا، أن تمارس حقاً من حقوقك المشروعة في التعبير عن رأيك بالوسائل التي كفلها الدستور، وتطالب بحقوقك متجاوزاً سياج الخيانة والارتباط بالخارج، لا يعد خيانة عظمى إلا في عقول عشاق التدمير والطائفية والتمييز والتأزيم ودولة «اللاقانون»، مهما علا حجمهم، فيبقون مجرد راقصين على آلام وطن… وبهذا هم من يسير إلى السقوط.
هنا، في بلاد صغيرة المساحة، واضحة«التأزيم» سياسياً… خصوصاً مع نشاط مطلبي شديد متجدد – شئناً أم أبينا – لا يمكن من وجهة نظري الوصول إلى حل للأزمة إلا من خلال اتجاهين: الأول، وهو الرئيس المطلق الأصح: أن يكون الحوار بين السلطة والمعارضة «المعارضة ولا أحد غيرها»، والمسار الآخر، هو تصحيح العلاقة مع أي مكون من مكونات الشعب تعرض للظلم عبر تفعيل منهج الإنصاف والمصالحة وتلك بلا ريب تشمل تطبيق توصيات البروفيسور بسيوني… ليس بمساءلة ومحاسبة وتوقيع العقوبات على من تجاوز القوانين وانتهك الحقوق وسفك الدماء وأغرق الوطن في الطائفية ومحاكم التفتيش والازدراء وتشجيع الصدام الطائفي ولي يد القانون وفق نفوذه… لا… بل يشمل، استناداً على الأدلة والتحقيق المحترم والقضاء العادل، كل من أضرّ بالوطن… ليس كافياً أن نقول بأن: هذا خائن، وذاك إيراني وهؤلاء يقتلون الشرطة وأولئك يصنعون القنابل والدمار… القصاص القصاص… نعم، كل ذلك يجب أن يجرى على فاعل حقيقي… لا على مواطن بريء كتب اعترافه بنجيع دمه تعذيباً!
وربما كان من بين هذا المسار، حوار عام توافقي «للنظر في الأجواء التي سيحققها حوار السلطة والمعارضة» تماماً كما كان ومضى على غرار حوار التوافق الوطني في صيغته التي رأيناها (ملتقى أو منتدى لا أكثر ولا أقل)، على أن تكون الأهداف بالدرجة الأولى لدى السلطة والمعارضة، هي الاحتكام لمبادئ سمو ولي العهد السبعة، باعتبارها الخيار المتاح والأسلم لإنقاذ البلد… تيسيراً للجهد والوقت وتحقيقاً للفائدة وإصابتها إصابة تامة، فإنه ليس هناك من داعٍ لدعوة 300 أو 400 أو ألف شخص لحوار ينتظم عقده وينخرط بسرعة ويذهب جفاء، قبل حوار مباشر بين السلطة والمعارضة التي طرحت كل ما لديها في وثيقة المنامة بكل وضوح.
لنفترض أن هناك ملامح حوار «ذي مغزى» بين السلطة والمعارضة؟ وهذا ما يجب أن يتم في أسرع وقت، فكل المؤشرات تؤكد أن وضع البلد في غيابة الكهف؟ أتعتقدون أن أولئك الراقصين لن يعودوا من جديد لضرب أية مبادرة وطنية للخروج من المأزق؟ بلى سيفعلون؟ وليسمح لي القارئ الكريم أن أعود إلى مقال بهذا المضمون (انظر: الراقصون في الأفراح والأحزان – (الوسط – 15-10-2009)… فقد أشرت يومها إلى أنه لم يعد مستغرباً أمر «الجنود المجهولين» الذين «يدعون» بأنهم يقدمون الغالي والنفيس في الذود عن حياض الوطن، ويتقدمون الصفوف الخفية «ولتكن الخلفية» إن جاز لنا التعبير، وهم يشمّرون عن سواعدهم بفرقعات وشعارات وسلالم مجد من ورق في ادّعاءاتهم بأنهم إنما يقدمون كل ذلك العمل الوطني الجبار من أجل دين الله ومن أجل الوطن! فيما هذا الصنف من الناس هو الأخطر لأنه يلاحق مكاسب ومصالح شخصية وفئوية، ويرى في إبقاء الأزمات، ملاذاً آمناً له… هؤلاء لا يريدون لا للسلطة ولا للشعب ولا للوطن بشكل عام خيراً.. يكذبون أن اعتلوا المنابر.. يخادعون ان اقاموا التجمعات واللقاءات.. ينافقون إن تحولوا الى برلمانيين.. ولا بأس في أن تعرف السلطة هؤلاء جيداً.. وهي تعرفهم، وهذا أمر أشد خطورة.
لا يمكن التغاضي عن ممارسات «عار البلد» في نشر قذارتهم بانتهاك الأعراض والتشهير بأي مواطن، كما لا يمكن الدفاع عن حملة نوايا التدمير والطائفية والتخريب والتحريق والإرهاب وما الى ذلك من سلسلة طويلة من المفردات، وقد رفضنا لسنوات أية ممارسة مطلبية فيها عنف وتخريب، لكن في الوقت ذاته، من حق المواطنين، والشباب تحديداً، أن يطالبوا بحقوقهم وأن يعيشوا المرحلة السياسية التي تتواكب مع تطلعاتهم، دون قتل أو تعذيب أو سجن أو سلب للحقوق.. من حقهم أن يكون لهم توجههم وآراؤهم حتى التي تختلف معنا.. لكن أن يصدح بعض اصحاب حناجر الفتنة وينادي: «جهزوا لهم سفينة كبيرة وارسلوهم الى الفرس»…فلا صيغة طائفية أكبر من تلك.
أعود للمقال السابق نصاً: «ومن قال إن من تثبت عليهم تهم التخريب والتحريق والإرهاب يجب أن يطلق سراحهم ليمشوا ساخرين من القانون؟ ومن قال أن من تثبت عليهم تهمة «قتل نفس» يجب أن يخرجوا مرفوعي الرأس؟ مرارا وتكرارا، طرحت وطرح غيري من الزملاء في مقالاتهم، موضوعات انتقدت بشدة كل الممارسات ذات التوجه العنيف أياً كان مصدرها، لكن مع الإعتبار لكل الممارسات المطلبية السلمية القانونية التي لا يمكن قمعها أبدا وقد منحها الدستور للناس»… انتهى الإقتباس، وكان ذلك في العام 2009، ومع ذلك، فإن الشعارات الأصدق للحركة المطلبية هي: «بالروح بالدم نفديك يا بحرين»… «نعم نعم للسلمية»… «وحدة وحدة بحرينية»… مع تنوع آخر طويل من الشعارات التي نتفق أو نختلف معها، ومع ذلك، نجد أن كل ما نقوله خاضع للإتهام والتشكيك والربط بالخارج… ومع ذلك… سينشط الراقصون في الأفراح والأتراح ليحافظوا على بقائهم ومصالحهم، وأكبر نفاقهم حين يدعون المحافظة على «مصلحة الوطن».