سعيد محمد سعيد

من أقوال الرئيس المخلوع

 

في الغالب، وكما جرت عليه العادة، تتصدر أقوال الرؤساء، كل وسائل الإعلام ولافتات الميادين ومقدمات الكتب والكتيبات والمطبوعات… وتطل في حركات (فلاشية) على شاشات التلفزيونات الرسمية… بل وربما كتبت على الساعات الفاخرة وزجاج السيارات الخلفي وربما الأمامي… وقد تجدها حاضرة دائماً في مقالات بعض الكتاب وهكذا.

قد تبقى تلك الأقوال بعد موت موتاً طبيعياً لكنها سرعان ما تختفي، وتختفي بوتيرة أسرع من كل مكان… كل مكان… حين يسقط بثورة أو يتنحى أو يقع بين أيدي الثوار، إلا أن الذي يبقى منها هو تلك الأقوال التي صاغ فيها المخلوع ومستشاروه واعلامه خطابات وكلمات فيها استسخفاف واهانة لشعبه، أو تحوي بشكل متعمد إهانة معارضيه واغاظة شعبه بالشتائم والأوصاف الكريهة التي تشبهه.

لو أجرينا رصداً مختصراً لأمثلة من تلك الأقوال التي قالتها مجموعة من المخلوعين: التونسي زين العابدين بن علي، المصري محمد حسني مبارك، الليبي معمر القذافي واليمني علي عبدالله صالح، سنجد بعضها يشبه الآخر من ناحية (اللسان الدكتاتوري) وقوة الاستبداد والتعنت! فيما لا تخلو من بذاءة اللسان حيناً والخداع احياناً أخرى.

* زين العابدين بن علي: أكلمكم الآن لأن الوضع يفرض تغييراً عميقاً… نعم تغييراً عميقاً وشاملاً… وأنا فهمتكم… اي نعم أنا فهمتكم… فهمت الجميع… البطال والمحتاج والسياسي والذي يطالب بمزيد من الحريات… فهمت الكل، لكن الأحداث الجارية اليوم (مهيش بتاعنا) والتخريب ليست من عادات التونسي المتحضر… التونسي المتسامح: المخلوع تأخر في فهم شعبه (أي نعم تأخر)، من السياسي الى البطال، فيما تبين أن الرجل لا هو سياسي ولا هو مطالب بمزيد من الحريات… بل هو البطال فعلاً.

* حزني وألمي كبيران لأنني قضيت 50 سنة في خدمة تونس: مرد حزن المخلوع أنه قضى 50 عاماً في حرمان الشعب التونسي من حقوقه الأساسية في الحياة، ولهذا فإن الحزن والألم يصبحان كبيرين فعلاً حين يجد المخلوع أن شعبه لا يحبه اطلاقاً، وما العقود الخمسة من الحكم الا فجيعة تراكمت لحكم استبدادي آن له أن يسقط.

* اصبحنا خائفين عليهم من عنف مجموعات سطو ونهب واعتداء على الأشخاص (هذا اجرام موش احتجاج وهذا حرام): كل من يقف مخالفاً أو معارضاً للمخلوع أو من هم على شاكلته يصبحون مجموعات سطو ونهب وارهاب واجرام، وفي لحظة، يصبح المخلوع هو المفتي يحلل ويحرم كما يشاء.

مقبور ليبيا… ملك ملوك افريقيا معمر القذافي ايضاً فهم شعبه حين قال: «انا فهمتكم، ولم أكن أنوي الترشح لفترةٍ رئاسيةٍ جديدة»… لكنه لم يفهم شعبه ولم يعرفهم حين وصفهم بالجرذان، وأنه سيلاحقهم: «شبر شبر، بيت بيت، دار دار، زنقة زنقة، فرد فرد»… مع أن الخداع لم يكن مخفياً في كلامه: «لقد وجهنا الحكومة لتلبية كل طلبات الشباب».

* لا امتلك أي سلطة سياسية أو إدارية، أنا وضباط آخرون حررنا ليبيا وسلمنا السلطة للشعب منذ عام 1977: ولعل الشعب الليبي هو الذي أدرك أن السلطة ليست له، بل لملك الملوك الذي ابقاهم طيلة أربعين عاماً في رعب لا يوصف.

هناك قائمة لطيفة من أقوال المقبور القذافي ستبقى خالدة على ما أظن، لأنها أسعدت الشعوب العربية، وغير العربية، لما فيها من حكم ودرر لا تقدر قيمتها:

* للمرأة حق الترشح سواء كانت ذكراً أم أنثى: طبعاً طبعاً… فلا علاقة للمقبور بالجندر (الفروق بين الرجل والمرأة)، فعند المقبور الرجال نساء والنساء رجال، وحين يقول: «أيها الشعب، لولا الكهرباء لجلسنا نشاهد التلفاز في الظلام»، وليس في ذلك ما هو غريب… يستطيع الشعب تشغيل التلفزيون باسطوانة غاز! وهو «ليس دكتاتوراً لاغلق الفيس بوك… لكنني سأعتقل من يدخل عليه»… ومن قال ان في ذلك دكتاتورية يا ملك الملوك؟ وأكبر دليل على عدم دكتاتوريته: «تظاهروا كما تشاءون ولكن لا تخرجوا الى الشوارع والميادين»… جميل جداً، لا بأس في اعتصام أو مظاهرة في الخيمة! ولذلك هو: «سأظل في ليبيا الى أن أموت أو يوافيني الأجل»… تبارك الرحمن، درر… حقاً درر! أما الموت، اذا كنت رجلاً يجب أن تدفعه، واذا كنت امرأة يجب أن تستسلم له! وكانت النهاية في انبوب مجارٍ.

مخلوع مصر محمد حسني مبارك تعهد أيضاً: «بعدم الترشح لولاية رئاسية جديدة، والتزم بإدخال اصلاحات جذرية على الدستور لتوسيع قاعدة المعارضة، وأرفض الإذعان لمطالب المحتجين وبعض القوى السياسية بالرحيل الفوري من الحكم»… لكنه اليوم في أشد حالات الانكسار وشعبه يحاكمه على جرائمه رغم أنه قال يوماً: «سأعمل لفترة الشهور القليلة التي تبقت من ولايتي على الحفاظ على الاستقرار وذلك تمهيدا لنقل سلس للسلطة»… تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن يا بوجمال وعلاء.

* «هذا عهدي الى الشعب خلال ما تبقى من ولايتي كي اختتمها بما يرضي الله والوطن وابناءه»… لاشك في أن المخلوع كان يخاف الله كثيراً، ويسعى للعمل بما يرضي الله، وربما اعتقد بأن معركة الجمل وقتل المتظاهرين في ماسبيرو وفي كل محافظات مصر شكل من أشكال العمل لنيل رضا الله… استغفر الله.

ولم يتهم اليمني المخلوع (علي عبدالله صالح) النساء المشاركات في الساحات في عفتهن فحسب… أو يصف الشعب اليمني في حراكه وساحاته بأنهم (بلطجية) مستأجرون معروف من يؤجرونهم، أو يكرر بأن الاحتجاجات وراءها اميركا واسرائيل وكأنه لم يكن (good boy) للأميركان… بل كانت له أقواله التي لم تختلف كثيراً عن سابقيه من ناحية (احتقار) الشعب والإساءة الى كل مكوناته، فم ن قائمة أقواله هذه الأمثلة:

* في 11 شهرا قطعت الطرقات والشوارع وانقطع التيار الكهربائي وفجر أنبوب النفط، هذه ثورة الشباب التي سرقها من سرقها: لكن المخلوع لم يتمكن من تقديم دليل على (من سرق) ولا على كيفيته في منع السرقة والاستجابة لمطالب الشعب اليمني.

* مساكين الشباب 11 شهرا في الاعتصامات، فيا شباب ارجعوا إلى مساكنكم، عودوا إلى بيوتكم، عودوا إلى أسركم أنا أشفق عليكم وأدعوكم للعودة إلى مساكنكم وتبدأون صفحة جديدة مع القيادة الجديدة (يقصد قيادة عبدربه منصور هادي): لم يشفق عليهم حين قتل منهم من قتل وقصف منهم من قصف في الساحات، واصبح مشفقاً لا يتحمل رؤية جيل جديد من الشباب لا يقبل الانتهازية والاستبداد.

* أخيراً، أطلب العفو من كل أبناء وطني رجالاً ونساءً عن أي تقصير حدث أثناء فترة ولايتي 33 سنة، واطلب المسامحة وأقدم الاعتذار لكل المواطنين اليمنيين واليمنيات، وعلينا الآن أن نهتم بشهدائنا وجرحانا: لو طلب المخلوع العفو عن التقصير حال انطلاق الاحتجاجات في بداياتها وسعى لإصلاح حقيقي لما احتاج أن يكرر عفواً وهو في حال سقوط مرير.

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

سعيد محمد سعيد

إعلامي وكاتب صحفي من مملكة البحرين، مؤلف كتاب “الكويت لاتنحني”
twitter: @smsmedi

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *