هكذا، قدَّم العديد من القرَّاء الكرام، من الطائفتين الكريمتين، تفاعلاً جميلاً على مقال الأسبوع الماضي: «المطابخ السرية للطائفية»، وذلك التفاعل بمثابة الشوكة في عيون الطائفيين والمؤزمين والمتمصلحين والإعلاميين المؤدلجين المغفلين ومن لف لفهم، ممن جرت على ألسنتهم القذرة وعقولهم السخيفة عبارة: «الفتنة والإنشطار الطائفي» في المجتمع البحريني.
تلك العينة من المواطنين من سنة وشيعة، قدمت ما يمكن اعتباره شهادات على قوة العلاقة بين بعضهم البعض، بصرف النظر عن الدعوات الخبيثة والمحاولات المستميتة الفاشلة عبر وسائل إعلامية مختلفة، ومن خلال حناجر النشاز لإيهام الناس بأن هناك صراعاً طائفياً في البحرين!
ولابد من تكرار أن المؤمنين والمقتنعين والباصمين بالعشر على أن هناك انهياراً في العلاقات بين الطائفتين، وعداوة طائفية مخيفة بسبب «الأزمة»، هم الطائفيون والمؤزمون والمتاجرون أصلاً… هذه هي الفئة التي تعاني من الصدام والانهيار، ونشدد أيضاً: هذه الفئة لا تمثل كل المجتمع البحريني، إنما تمثل نموذجاً سيئاً مريضاً.
على أية حال، أجدني متقدماً بالتهنئة للجميع بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك… بفضائله التي ترقى إلى أعلى مستويات السمو الإيماني والروحي، وهذا الشهر الفضيل فرصة لأن يكشف الناس العقلاء تلك الشياطين التي لا يمكن تصفيدها لا في شهر رمضان ولا في سائر شهور العام! إنهم شياطين الطائفية الذين ينشطون في هذا الشهر الفضيل بعينه، وممن تُفتح لهم شاشات بعض الفضائيات الساقطة ليبثوا سمومهم بين أبناء الأمة ليرضوا بذلك أسيادهم المستمتعين دائماً بنشوة الصراع والخلافات في المجتمع الإسلامي. تلك الفئة المدمرة أشد خطراً من الشياطين التي وردت أحاديث وروايات نبوية شريفة عن تصفيدها في الشهر الكريم، والأخطر منهم، أولئك الناس الذين يصدقونهم وينقلون ما يطرحونه بكل جهل وغباء وطائفية ومرض نفساني.
في بحث قيم للباحث بمركز الدراسات والبحوث اليمني عبده البحش في موضوع «علماء الفتنة»، التفاتة لطيفة لتلك الأمثلة فيصفهم بقوله: «إن أكبر بلوى ابتلي بها العالم العربي والإسلامي هم علماء الدولار…علماء الدنيا…علماء السياسية… علماء التجارة… علماء البورصات والبنوك والأسواق المالية… علماء الاستثمارات والعقارات والأمور الدنيوية الذين ربطوا مصالحهم بمصالح أعداء الإسلام، فجعلوا من أنفسهم أدوات ومعاول هدم لوحدة المجتمعات الإسلامية، فكانت الفتاوى التي صدرت منهم وحيّرت الكثير من أصحاب العقول السليمة! إذ كيف يمكن لعالم أن يفتي بوجوب الاقتتال بين المسلمين؟ وكيف لعالم أن يدعو إلى تحريض فئة من المسلمين ضد أخرى؟ وكيف لعالم أن يسعى إلى تهييج الناس وإيقاظ الفتنة بين المسلمين؟».
مصادر الخلل العقائدي وشهوة الاقتتال الدموي بين أبناء الإسلام، هم «أشياء» تصلي وتصوم وتتظاهر بقمة التوحيد، وربما وجدتها على شاشات الفضائيات تبكي، وتتجرع المرارة بُعيد أن تكذب وتفتري وتهرج، ولا ينقصها سوى الرقص فرحاً على ما بثت من عفن… لا عليكم من كل ما تفعل تظاهراً فهي ليست سوى أدوات لدى الشيطان، مصداقاً لقول الآية الكريمة :«وقال الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وُعْدَ الْح َقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُم».(سورة إبراهيم : 22)
لا تتوقعوا من وعاظ السلاطين وعلماء البلاط خيراً للأمة! كل فعلهم الشيطاني إنما هو استرضاء للأسياد، فلا يختلف أحد في أن الطائفية وسمومها مرض مدمر للمجتمع الإسلامي، وليس من حق أتباع أية طائفة تجاوز الحدود أو إقصاء أبناء الطوائف الأخرى، ولا يمكن المقارنة هنا بالقول بأن الشيخ فلان فعل فكان رد فضيلة الشيخ علاَّن أن يلقمه حجراً، وكأننا نتعامل مع أطفال! وكأن الردود والصدامات الطائفية هي الأوجب والأولى من دعوات مكافحة ومجابهة الفتن ومشعليها.
هي الحكومات وقوى النفوذ دون شك… هي التي تغذي الطائفية وترعاها وتمدها وتقدم لها كل سبل التصاعد! من غير المنطقي، كما طرحت عدة مرات، أن يعاني أي مجتمع من الطائفية دون أن تكون حكومة تلك الدولة راضية بها وهي أساس مساندتها وراعية كانتوناتها (فرق التمييز والعنصرية) وصاحبة الفضل عليها؟
طوق النجاة للمجتمعات هم علماء الأمة المخلصون الصادقون.. من السنة والشيعة، ومن أتباع مختلف المدارس والمناهج والمذاهب الفكرية الإسلامية، باعتبارهم يطرحون دعوات صادقة للإصلاح ولم الشمل وتوحيد الصفوف، فيما هؤلاء منبوذون من الحكومات ومتهمون ومشكوك في كل خطابهم ونهجهم، ومعرضون بقوة إعلام (هش) لتحريف كل كلماتهم وخطبهم ومهددون أيضاً بالويل والثبور!
مثل هؤلاء المشايخ معززون مكرمون ويحملون دائماً شعار: «املأ ركابي فضةً أو ذهبا».
مبارك عليكم الشهر يا جماعة…