أصحاب الأعمال السيئة القبيحة… معدومو الأخلاق… يُعرفون في مجتمعنا الخليجي بـ «سودان الوجه»… جمع «أسود وجه»… وفي كلهم سواد! ليس مهماً لهم إن كانوا في شهر رمضان المبارك بعظمته وجلال مقامه عند الله… أم في سائر شهور السنة… هم هكذا يعيشون في أعلى درجات الخسّة والنذالة.
ولم أكن – كما هو الحال مع الكثيرين غيري – مستغرباً مما برز على السطح من نماذج في أوطاننا العربية منذ انطلاق الحركات الشعبية المطالبة بالحقوق… زعماً أنهم: مفكرون وكتاب ومثقفون وسياسيون وحقوقيون وناشطون وفنانون… أقول زعماً… فما أن شاهدهم ملايين المشاهدين العرب في فضائيات ووسائل إعلامية مختلفة وعبر عواصم مختلفة حتى اكتشفوا هول المصيبة حين تحول هؤلاء (سودان الوجه) إلى طرف للتنكيل والنيل من الشعوب العربية، والوقوف إلى صف الاستبداد والتسلط ضد المسار الديمقراطي والحقوق والإنساني.
ويمكن اختصار القول في: «إن كل بني آدم يتحول إلى بهيمة فلا يميز بين الحق والباطل… لا يفرق بين الطيب والخبيث… ويقابل الناس بالأرذل من القول والساقط من العمل هو أسود وجه»… وهؤلاء يا جماعة الخير… وأقصد أعزكم الله «سودان الوجه»… لهم مناقب! نعم، أصبحت لهم جملة من المناقب والمآثر والخصال المطلوبة اليوم لدى الكثير من الحكومات ذات النزعة الاستبدادية… بعضهم يمكن تصنيفه ضمن الجرذان وآخر ضمن الخفافيش وثالث يمكن اعتباره سيفاً مسلطاً على رقاب خلق الله ورابع تجده بارعاً في انتهاك أعراض الناس والنيل من حرمات البيوت وهكذا…
على أي حال… جحافل «سودان الوجه» في المجتمعات العربية والإسلامية هي من أقوى الجيوش (زعماً أيضاً) للنيل من مطالب الشعوب والقضاء على الحركات الشعبية والثورات… هنا، يطرح الروائي المصري علاء الآسيوي تحت عنوان: «كيف تقضي على الثورة» نماذج من (سودان الوجه) موجهاً نصائحه إلى (الجنرال) مستهلاً بالقول: «أيها الجنرال، إذا فاجأتك الثورة لا تفزع. إياك أن تخاف من مشهد ملايين المتظاهرين الغاضبين. اهدأ… التقط أنفاسك وتمالك نفسك… اعلم أن الثورة حالة استثنائية… لحظة إنسانية نادرة يتصرف فيها الناس بشجاعة ويندفعون إلى الموت دفاعاً عن حريتهم وكرامتهم».
الروائي والكاتب الأسواني وضع ست خطوات للقضاء على الثورات في أسلوب «تهكمي ساخر عجيب»، لكن سأسوق الخطوتين الثانية والثالثة هنا… ففي الخطوة الثانية يقول الكاتب: «إياك أن تخضع لمطالب الثوار وتغير شيئاً من النظام القديم! ذلك خطأ فاحش… فى البداية سيضغطون عليك بشدة من أجل التغيير… انتظر حتى تصل ضغوطهم إلى ذروتها، ثم قم بتغيير صغير شكلي لا يمس قواعد النظام القديم… ماذا يفعل ربان السفينة إذا شارفت على الغرق؟! إنه يلقي إلى البحر ببعض الأشياء الثقيلة حتى تسترد السفينة توازنها… هذا ما يجب أن تفعله… اختر بعض الشخصيات السياسية المكروهة من الشعب… اقبض عليهم وقدمهم إلى المحاكمة… يجب أن تكون محاكماتهم بطيئة معقدة كثيرة الإجراءات حتى ينسى الناس فى النهاية الغرض منها.
اجتمع بهؤلاء المكروهين واشرح لهم أنك لن تتخلَّ عنهم أبداً… قل لهم إن أحداً لن يؤذيهم وأن محاكماتهم مجرد إجراء سياسى لامتصاص غضب الشعب لا أكثر ولا أقل… اجعلهم ينعمون بحياة مترفة داخل السجن وكأنهم مازالوا يعيشون فى قصورهم… إياك أن تتخلى عن أعضاء النظام القديم… هؤلاء هم جنودك المخلصون… لو فرطت فيهم لن تجد لهم بديلاً وستجد نفسك وحيداً بلا سند أمام شعب غاضب. إن القاضى الفاسد الذى تملى عليه الأحكام بالتليفون ووكيل النيابة الذى يفسد بيده أدلة الاتهام بناء على طلبك والمذيعة الشهيرة التى تتلقى يومياً تعليمات الأمن قبل التصوير وضابط الشرطة الجلاد الذى يعذب ويقتل عشرات الناس دفاعاً عن النظام… هذه النماذج نادرة إياك أن تضيعها من يدك… اجتمع بهم سراً وأكد لهم أن النظام القديم كما هو لم ولن يتغير، ثم أجزل لهم العطاء حتى يتفانوا فى الدفاع عنك.
الخطوة الثالثة وضعها الأسواني تحت عنوان: «اترك أحوال البلد تتدهور حتى تصل إلى الحضيض»… وفيها يقول: «يجب أن تفهم كيف حدثت الثورة… لقد كان المجتمع منقسماً إلى ثلاثة أقسام: المستفيدون من النظام والثوريون والناس العاديون… الثوريون كان عددهم قليلاً وتأثيرهم ضعيفاً لأن النظام كان يقمعهم باستمرار… القطاع الأعرض من الشعب كان ينتمى إلى الناس العاديين الذين كانوا متضررين من النظام، لكنهم لا يملكون شجاعة الاعتراض… لقد حدثت الثورة عندما نجح الثوريون فى إقناع العاديين بالانضمام إليهم.
هنا نقطة ضعف الثورة التى يجب أن توجه إليها ضرباتك… يجب أن تضغط على الناس العاديين حتى يعودوا إلى مقاعد المتفرجين… يجب أن تتفاقم الأزمات فى كل مكان… الفلاحون يجب أن تنقطع عنهم مياه الري ولا يجدوا الأسمدة حتى يفسد المحصول وتبور الأرض… العمال يجب أن يلقى بهم فى الشارع لأن المصانع توقفت… الموظفون يجب أن تتأخر رواتبهم وتلغى العلاوات التى وعدوا بها… يجب أن تختفي الشرطة تماماً وتنتشر السرقة والاعتداءات والبلطجة. يجب أن يندس عملاء الأمن بين المتظاهرين ليعطلوا المرافق ويقطعوا خطوط السكك الحديدية… فى الوقت نفسه فإن عملاءك فى الإعلام يجب أن يقودوا حملة منظمة لترويع الناس… يجب أن يضخموا من تأثير الأزمة ويلصقوا كل المشكلات بالثورة حتى تترسخ فى أذهان الناس فكرة أن البلد يقترب من المجاعة والفوضى بسبب الثورة. الثورة وحدها… و… (للحديث بقية).