في موقعه الذي خصصه لكتابه «من أسقط العالم الإسلامي؟»، وقبل إصداره، فتح المؤلف سعيد المحفوظ المجال للمفكرين والمثقفين وعلماء الدين وعامة الناس ليطرحوا الإجابات التي يؤمنون بها، ويقدموا وجهات نظرهم لأسباب ذلك السقوط، وهل هو سقوط فعلاًً أم تراجع؟ أم نكسة؟ وفرع التساؤلات لتشمل متى بدأ الانهيار والسقوط؟ كيف سقط؟ ومتى كان ذلك؟.
توالت الإجابات على هذا التساؤل لتتصدرها التالية: «علماء الدنيا، الاستبداد، البعد عن العقيدة، ترك الجهاد في سبيل الله». وأجمع البعض على أن أسباب السقوط هي كثرة ذنوب المسلمين، فشل التربية الأخلاقية وضياع الأهداف، تخاذل المسلمين أنفسهم تجاه الكثير من القضايا. وطالب آخرون بتغيير اسم الكتاب إلى «أسباب تأخر وانحطاط العالم الإسلامي»، هل هو سقوط أم هبوط أم نكسة؟ فيما رأى طرف ثالث أن العالم الإسلامي لا يسقط إنما يتعثر أو يتأخر ثم يقوم بعد ذلك. واكتفى آخر بالقول ان الحديث في أسباب السقوط يطول، إلا أن الأمة لم تعمل بدينها الحق ظاهراً وباطناً، فيما كانت بعض الإجابات ملتهبة بالتركيز على أن الذي أسقط العالم الإسلامي هم القادة العرب والحكام، والعلماء المقربون من البلاط.
ولكن الكاتب، في دعوته للمشاركة، أورد مقدمة نصها «جهودٌ تبذل من بعض المخلصين والغيورين لإخراج أمتنا الإسلامية مما هي فيه الآن من انهزامية وتشتت، وعدم اتحاد كلمتها، إلى العزة والكرامة والتمكين، ولكن هذه الجهود التي بذلت ومازالت تبذل إلى الآن، لم تكن في مستوى تطلعات أبناء هذه الأمة، لأنها لم تحدث الأثر الفعال الذي يروي غليل هذه الأمة».
وأرجع غياب الأثر الفعال إلى أمرين: الأول هو أن هذه الجهود مبعثرة هنا وهناك، والثاني أنها تصادمت بدل أن تتحد، وصار الخلاف بينها خلاف تضاد وليس خلاف تنوع.
ونظراً لأهمية دور الغيورين والمصلحين في النهوض بالأمة، فلابد من مشاركة الجميع بدءاً بأهل العلم والفكر، مع الاستمرار في الحوار والمناقشة حتى نصل إلى جميع شرائح المجتمع. فالأمة الإسلامية كانت في يوم من الأيام في الأعلى فهوت، فإذا أردنا الصعود بها علينا أن نعرف كيف سقطت؟ فإذا عرفنا سبب السقوط سهل علينا إعطاء العلاج المناسب للصعود. والسؤال المطروح هو: من أسقط العالم الإسلامي؟ ومتى بدأ الانهيار والسقوط ؟ وبصيغة أخرى: كيف سقط العالم الإسلامي؟ ومتى كان ذلك؟ و ما هي الأسباب التي أدت إلى سقوطه؟
الكاتب، استخلص – كما يقول في مقدمة الكتاب – بعد تأمله بحال الأمة وتفحصه للإجابات التي وردت الموقع عن أسباب سقوط المسلمين خريطة محددة لأسباب السقوط وكيفية النهوض ولخصها في رسم توضيحي. ذلك الرسم شمل العنصر الرئيسي الذي يرتفع بالمجتمع الإسلامي أو يهبط به هو علماؤه، فإيمان الأمة وأعمالها الصالحة هي التي تؤدي إلى نصر الله، والعلماء هم المعنيون بنشر دين الله الحق داخل المجتمع لزرع الإيمان والتقوى داخل القلوب، وهم الذين يستطيعون توجيه الشعوب والحكام لاتخاذ قرارات عادلة والحكم بما أنزل الله وتعظيم حدود الله في الأرض والعيش بمنظور يرضي الله من الأوجه كافة.
لكن كمحصلة نهائية وواضحة، ومع إجماع الآراء على دور القلة القليلة من علماء المسلمين «الصالحين» الذين لا تجد الكثير من حكومات العالم الإسلامي فيهم سوى «عناصر لا تطاق»، وبزوغ نجم «الطالحين» ممن لا يليق بهم اسم «علماء»، فإن التشخيص الحقيقي لكل ما يقع على الأمة الإسلامية من ابتلاء هو فساد العلماء. فالمؤلف يرى، كما يرى الجميع بنظرة بدهية، أنه إذا فسد العلماء فسد منهجهم وفسد منهج من ينقلون عنهم من الدعاة وطلبة العلم، وفساد المنهج يعني تخبط وتضارب الفتاوى والفُرقة بين أفراد المجتمع. وقد رأينا كم أثر تضارب مناهج العلماء في حياتنا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ولم تعد هناك ثقة في فتواهم. بل في بعض بلداننا العربية لم تعد هناك قيمةٌ لهؤلاء العلماء والدعاة، ما أدى إلى اجتهادات خارج إطار القواعد التي أنزلها الله لتنظيم حياتنا بما ينفعنا، فبنى الناس على قواعد غير ثابتة، وبدأ البناء في التهاوي، ذلك أن فساد المنهج يعني أيضاً، كما يقول المؤلف نصاً: «انتشار سوء الخلق والتشدد، ويعني سوء سمعة الدين، ما يؤدي إلى بحث الناس عن مناهج أخرى تأويهم فيلجأون إلى المفاهيم الليبرالية واليسارية والعلمانية، أما غياب القدوة فتدفعهم إلى الارتباط بفئة الفنانين ولاعبي الكرة والإقبال على صحافة الفضائح والشائعات وتضييع الوقت فيما يغضب الله، ومن الطبيعي أن يصبح حكام هؤلاء ظالمين! فضياع المنهج يعني تفشي الظلم بين الناس، فيولي الله عليهم من هو مثلهم، فينتشر الفساد، فالحاكم الفاسد لا يعنيه إلا نفسه… فلا يعنيه شعبه أو أرضه أو كرامته، إنما هو الجاه والمال، فيفتح بلاده لأطماع الغرب وسيطرتهم ويفتح معها أبواب الذل والهوان فلا عزة إلا مع الله».
ويصل المؤلف إلى ما رآه نتيجةً حتميةً… إن السقوط يبدأ ويستمر حين يغمر قلوب العلماء حب الدنيا فيتبعون أهواءهم ويفتحون للشيطان مداخل يلهو فيها كيفما شاء. لكن المؤلف يجزم بأن سقوط الأمة الإسلامية يستمر بالمعاصي التي ترتكبها دون خشية أو شعور بمراقبة الله، وكأن الإنسان وُجِد في الدنيا ليقتطف منها ما يحلو له فيدهس بأرجله على جثث الآخرين من حوله غير ناظر تحت قدميه.
على أية حال، من الحري بمن يطلقون على أنفسهم «علماء» وهم يلهثون ليل نهار لتدمير المجتمع الإسلامي بأفكارهم الهدامة، أن يطلعوا على مثل هذا الكتاب وغيره، مع أن أولئك الذين لم يؤثر فيهم كتاب الله، لن تؤثر فيهم قطعاً مؤلفات يرون أن «عبقريتهم» أعلى منها بكثير.