سعيد محمد سعيد

المصالحة الوطنية… لا شيء من ذلك!

 

هل البحرين بحاجة إلى مصالحة وطنية… وعلى أي أساس؟ هل الأزمة في البلاد تتطلب من ضمن خطوات الحل، أن تكون هناك مصالحة وطنية؟ لمن، ومع من، وكيف؟ ثم أصلاً، ماذا تعني المصالحة الوطنية في معناها السياسي والاجتماعي والوطني؟ ولو تم إعلان انطلاق مبادرة للمصالحة الوطنية، هل ستنجح من دون وجود منطلقات وأسباب ومسوغات لتلك المصالحة؟

من وجهة نظري، وانطلاقاً من فهمي الخاص لمعنى المصالحة الوطنية، فإن الأزمة في البلد لا تحتاج إلى مصالحة وطنية.. الحاجة الرئيسية تسبق ذلك العنوان. لماذا؟ لأن الأزمة في البلد بين سلطة ومعارضة، وليست بين مكونات المجتمع البحريني، حتى لو حاولنا وحاول آخرون جعلها أزمة طائفية، أو استخدموا أوصاف الصراع والتناحر الطائفي بين السنة والشيعة! فكل ما جرى طيلة الأشهر الـ 20 الماضية ما كان ليقع لو تم تقديم «المصلحة الوطنية» من كل الأطراف التي تمتلك القرار، حتى لا نصل إلى مرحلة يظهر فيها ضمن ما يظهر، عنوان «المصالحة الوطنية» غير المنطقي إطلاقاً!

لماذا هو غير منطقي؟ وهنا أكرر: لا يوجد في البلد صراع بين مكونات الشعب، ولا بين التيارات السياسية ذات القاعدة الجماهيرية الكبيرة، ولا بين المطالبين بالحقوق المشروعة.. الخلاف شئنا أم أبينا، هو بين سلطة ومعارضة.. لا بين سنة وشيعة، أو بين مذاهب وجماعات وتيارات.. لهذا، فأفق حل الأزمة في البحرين أفضل بكثير من أي دولة أخرى تشهد اضطراباً وخلافاً سياسياً.

نأتي للسؤال الأهم: «ماذا تعني المصالحة الوطنية، وهل يمكن تطبيقها على الوضع في البحرين أم أن استخدامها يجري فقط من باب اجترار مصطلحات مفرغة المعنى؟».

من المؤسف له أن بيئتنا السياسية تقتل معاني الكلمات كثيراً، ويصبح ترديد بعض المصطلحات مثل الإطار الذي لا يحتوي على صورة بداخله، وينضم مصطلح «المصالحة الوطنية» إلى قائمة المصطلحات التي تُفرَّغ من معناها ومضمونها.

«المصالحة الوطنية» تعتبر آلية لحل النزاع، وهي بديل ونقيض لآلية «القوة» التي تفضلها العقليات التي لا تؤمن بالآخر، وبين استخدام «القوة»، واستخدام «المصالحة الوطنية»، هناك آليات أخرى تدخل بين هذين النقيضين، إذ إن هناك آليات «المقاضاة» و«الوساطة» و«التحاور» و«التفاوض» و«التحكيم»، وهناك خليط بين هذه الآليات.

بالنسبة إلى آلية «القوة» المفضلة لدى البعض، فإنها تعتمد على استخدام القمع المباشر لتصفية وجود الآخر أو إذلاله عبر تلقينه درساً لا ينساه إلى الأبد، ووضعه في مستوى متدنٍّ جدّاً أسوأ مما كان عليه قبل بدء النزاع، بحيث يتأسف أنه فكر في الدخول في حلبة النزاع.. هذه الآلية تؤمن بأن إخضاع الآخر وإذلاله هي أفضل وسيلة حتى لو تطلّب ذلك إنهاك كل الإمكانات من أجل توفير القوة القامعة التي تخسف الأرض ومن عليها، وتؤدّب أية جهة تفكر في الاعتراض على مجريات الأمور». انتهى الاقتباس.. (انظر صحيفة الوسط – العدد 3421 – الخميس 19 يناير/كانون الثاني 2012 – مقال رئيس التحرير).

وفق هذه المعطيات لأسس المصالحة الوطنية، فإنه ولله الحمد، ورغم مظاهر مؤسفة شهدها المجتمع البحريني، إلا أنه بقي في سواده الأعظم، متماسكاً دينياً ووطنياً واجتماعياً بين مكوناته، بل وبرزت مبادرات، وإن كانت محدودة، إلا أنها بارزة مثل مبادرة «وطن يجمعنا»، ولقاءات الطائفتين التي بادرت بها الكثير من المجالس الأهلية. لهذا، ليس من المنتظر أن يتجه الوضع في البحرين نحو المصالحة الوطنية لـ «لا شيء»، مقابل الحاجة إلى إنهاء الأزمة السياسية وفق منظور المصارحة والمكاشفة والإنصاف وتقديم المصلحة الوطنية للجميع، وإن أتى عنوان المصالحة الوطنية بعدها فلا بأس؛ لأنه سيبقى بلا معنى مقابل ما يمكن أن تحققه سابقته.

وماذا عن تجارب بعض الدول العربية في مجال «المصارحة الوطنية»؟ وهل هي شبيهة بالأزمة في البحرين؟ ولعلنا نبدأ من اليمن، فالكاتب اليمني عبدالله الذيفاني شخّص مشروع المصالحة الوطنية في اليمن وفق معطيات الأزمة هناك، لذلك حددها في عدة محاور مؤكداً ضرورتها لتجاوز: اعتلالات الماضي، فساد الحاضر، غياب الدولة، انعدام المساءلة، تغييب القانون، دفن السيادة، وقهر الإرادات الجماهيرية المتطلعة للدولة، والمجتمع المدني المؤسَّس على التوازن التام بين الحقوق والواجبات لكافة المواطنين على قدم المساواة وبشراكة كاملة.

ويرى أيضاً، أن المصالحة الوطنية مطلوبة لتجاوز لغة السلاح، وصفير الصواريخ التي تهدد الحياة، وتدمر الأخضر واليابس، وتقتل الأحياء بكل أنواعهم وأجناسهم وفئاتهم وأعمارهم، وبما يقر السلام والأمن والاستقرار، وحق الحياة للفرد والمجتمع على النحو الذي ترتضيها خياراتهم. وللحديث بقية…

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

سعيد محمد سعيد

إعلامي وكاتب صحفي من مملكة البحرين، مؤلف كتاب “الكويت لاتنحني”
twitter: @smsmedi

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *