إذاً، هل في مقدور الحكومة زيادة الرواتب للمواطنين أم لا؟ الجواب: «الحكومة ترى شيئاً لا يراه المواطن»! على أية حال، لنرجع إلى يوم الأربعاء (27 مارس/ آذار 2013)، حين عقد وزير المالية الشيخ أحمد بن محمد آل خليفة اجتماعاً مع لجنتي الشئون المالية بمجلسي الشورى والنواب… تمام. وكان ذلك الاجتماع مخصصاً لمناقشة رد الحكومة على مطالب النواب بزيادة رواتب موظفي القطاع العام 15 في المئة ضمن الموازنة العامة للدولة للسنتين الماليتين 2013 – 2014… تمام. والمعلوم أن الطلب رُفض بسبب ارتفاع الدين العام والفوائد عليه والتي ستصل إلى 180 مليون دينار سنوياً… تمام.
الحديث عن الدين العام، في غمرة الشوق العارم في نفوس المواطنين لسماع كلمة ولو «جبر خاطر» عن زيادة مرتقبة، جعل عضو لجنة الشئون المالية والاقتصادية بمجلس النواب محمود المحمود لأن يصرح بقوله: «وزير المالية لم يتحدث عن زيادة الرواتب عند السؤال عنها بل تحدّث عن الدين العام والعجز وفوائد القروض، في ردٍ واضح على رفض مطلبنا بزيادة الرواتب، وإن ردود وزير المالية أثارت سخط واستياء النواب؛ لأنها جاءت مخيبةً للآمال بعد كل هذه المدة من الانتظار».
النائب المحمود أيضاً، أعاد التذكير في تصريحه بمطالب «الفاتح» والتي منها إصدار أمر بزيادة رواتب الموظفين والمتقاعدين وموظفي القطاع الخاص وإنشاء صندوق يخصص لرفع رواتب موظفي القطاع الخاص، وأن يستفيد الشعب من الوفر الذي يحققه الدعم الخليجي لرفع مستواه المعيشي.
التعقيدات كثيرة، لكن، وكما نقول بالعامية: «المواطن… وين يصرف هالكلام كله؟»! ذلك أن المواطن يواجه مصاعب معيشية كثيرة لا حصر لها، والحديث هنا عن طبقة ذوي الدخل المحدود في ظل تآكل الطبقة الوسطى. وفي هذا الصدد، يشير الباحث عبدالحميد عبدالغفار في دراسته بعنوان: «الفقر… البحرين نموذجاً – مايو2007)، إلى أن زيادة عدد العاطلين «وليس معدل البطالة» وما يؤدي إليه من ارتفاع في عدد الفقراء واستمرار المعدلات العالية للتضخم وما تسببه من تآكل للطبقة الوسطى، ينجم عنه تكاليف اجتماعية مؤكدة وباهظة (انتهى الاقتباس). وبالطبع، استند كل ذلك إلى تحذير خبراء اقتصاديين واجتماعيين من حدوث هوة بين الطبقات الاجتماعية واتساع رقعة الفقر وتآكل الطبقة الوسطى غير المستقرة التي يعتمد عليها تماسك الهرم الاجتماعي، مع غياب المسوحات المعنية بتحديد حجم هذه الطبقة التي اتسعت في الطفرتين النفطيتين العامين 1974 و1997، بينما تآكلت في الطفرة الثالثة لتساهم في اتساع دائرة الفقر على رغم الاتفاق على ضرورة الاعتماد على مستويات الدخول للتصنيف.
بلا شك، فإن الحديث في نطاق الدراسات الأكاديمية، على رغم أهميته، لا ينبغي أن يجعلنا في منأى عن تشخيص الكثير من المشاكل التي يعاني منها المواطن يومياً. ومع شديد الأسف، فإن المجتمع البحريني، مع وجود الباحثين والمتخصصين، إلا أنه يفتقر لدراسات محلية تتعمق في مناقشة تأثير ضعف الأجور على الأمن الاجتماعي واستقرار الأسرة البحرينية. والأمر المقلق، أنه كلما تردت الأوضاع المعيشية، كلما أصبحنا على مشارف تبعات وانعكاسات سيئة بدءاً من تدهور تنمية الأسرة وانتهاءً عند بروز ظواهر تؤثر على استقرار الحياة في المجتمع وهي كثيرة كالعنف، السرقة، الخلافات الأسرية، التسرب من التعليم وربما قائمة أخرى من المشاكل التي لا نتمناها لمجتمعنا قطعاً.
حسناً، حينما يلجأ المواطن إلى البرامج الإذاعية وإلى صفحات الصحف المخصصة لنشر المشاكل والمعاناة، بل حينما يستخدم الناس وسائل التواصل الاجتماعي ومواقع الإنترنت لطرح تلك القضايا التي تشمل الأجور، الإسكان، العلاج، تعطل المعاملات، الدراسة، أوضاع الأسر المعوزة وما يتفرع من تلك المعاناة، فإن الحاجة إلى استراتيجية وطنية سليمة لتحسين المعيشة المواطنين يلزم أن تأخذ مسارها الصحيح في التطبيق الفعلي. إن تصريحات الرفاهية في الإعلام يمكن أن تكون مدغدغة للمشاعر حيناً ما… لكنها تتحول إلى حالة من النقمة والغيظ والسخط أمداً ما، فهل تعجز الدولة وأجهزتها عن وضع تلك الاستراتيجية فعلاً؟