بلا تردد ودون نقاش عقيم طال أم قصر، أجد شخصياً، وهذه قناعتي، أن أي دولة، حكومة، منظمة، مجموعة، تيار، تقول وتكرر بأنها ضد الطائفية وضد العنصرية وضد التمييز، فإن الطائفية والعنصرية والتمييز يغمرها من أعلى رأسها إلى أخمص قدميها!
مجرد التكرار الكريه الممل المستخدم للاستهلاك الإعلامي، والنفي الممجوج، ما هو إلا وسيلة واضحة لامتثال ما يمكن أن يقع تحت: «اللي على راسه بطحه يتحسسها».
وبطحة «التمييز والطائفية والعنصرية» تلك أيضاً، يتحسّسها كتاب وإعلاميون ومشايخ «طين». بل يتحسسها رؤساء وحكام وسياسيون، ومن لف لفهم من نواب وناشطين وحقوقيين مزيفين ذوي «فزعة»، لكنهم في النهاية، كمن يشاهد وجهه في المرآة ويضحك على نفسه من شدة كذبه. ولعلني أجد ابتسامتهم على خبثهم، تشبه ابتسامة الفنان عبدالناصر درويش، مع فارق أن عبدالناصر يشيع الفكاهة والبهجة والأنس بتلقائية، وهؤلاء ينشرون التفاهة والخبث والحقارة بتلقائية.
قد تكون للحديث مناسبة وقد لا تكون! فالتمييز العنصري يعد شكلاً من أشكال الممارسة المضادة للكرامة الإنسانية، لا سيما في البلدان العربية والإسلامية التي من المفترض أن تكون أبعد ما تكون عن مثل هذه الأفعال الإجرامية الحقيرة، لكن هناك مناسبة! فبعد غدٍ الاثنين، 29 يوليو/ تموز، هو اليوم العالمي للتنوع الثقافي ومحاربة التمييز العنصري، وبالطبع، هناك من وضع ذلك اليوم على الروزنامة كفرصة لإصدار التصريحات الصحافية والبيانات الإعلامية، ولربما وجد بعض عتاة وأكابر العنصرية والتمييز والطائفية في هذا القطر العربي أو ذاك، المجال واسعاً لأن ينظم ملتقىً أو محاضرةً أو حتى يلعلع في أحد الشوارع محتفلاً بهذه المناسبة ومشيداً بمعانيها وأبعادها، وداعياً إلى الاستفادة من مضامينها ومؤكداً خطورتها على المجتمع، ومنوهاً إلى أهمية العمل لمحاربتها، ومدعياً أنه أول وآخر واحد في العالم كله… على استعداد لأن يقدّم نفسه فداءً في سبيل القضاء على العنصرية وهي متأصلة فيه، والطائفية (وهو من أكابرها) والتمييز (وهو الذي يعيش ويتنفس ويترزق عيشه عليه).
اليوم العالمي للتنوع الثقافي (ولهذه المفردة مغزى) ومحاربة التمييز العنصري (وربطه هذه أيضاً له مغزى)، يختلف عن اليوم الدولي للقضاء على التمييز العنصري والذي يصادف يوم 21 مارس/ آذار من كل عام، فربط التنوع الثقافي بمحاربة التمييز العنصري يعني أن المجتمعات الإنسانية تنطلق من احترام الثقافات والأفكار والآراء والأديان والطوائف، ولربما هو أشمل من اليوم الدولي للقضاء على التمييز. فتلك مناسبةٌ تعود إلى 21 مارس من العام 1960 عندما أطلقت الشرطة الرصاص على مظاهرة سلمية ضد قوانين المرور المفروضة من قبل نظام الفصل العنصري في مدينة شاربفيل بجنوب أفريقيا، فقتلت 69 متظاهراً. وقتها دعت الأمم المتحدة إلى مضاعفة جهودها من أجل القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، وتم إبطال العمل بنظام الفصل العنصري، وألغيت القوانين والممارسات العنصرية، ليس في جنوب أفريقيا فحسب، بل في بلدان عديدة، وتم بناء إطار دولي لمكافحة العنصرية يسترشد بالاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري.
الغريب العجيب في الأمر، أن أولئك الناس، الذين تصدوا لمظاهر الفصل العنصري والتمييز والطائفية والإجرام على الهوية لم يتباهوا بالدين أو بالقومية والقيم والرجولة، وهم يواجهون كل تلك الأشكال من الجرائم التي يعشقها ذوو الميول الدموية الوحشية من البشر، فمن صفات التمييز العنصري كما يطرح الباحثون في موقع (فضاء سيرتنا) أنه «يعمل في قنوات خفية في وسط المجتمع الواحد، فتارةً نجده تمييزاً ضد المرأة وتارة ضد القبيلة وتارة ضد الفرق الرياضية وحتى المثقفين أنفسهم يصيبهم هذا الفيروس الاجتماعي الذي لم يترك لا جنوب الكوكب ولا شماله، فيا ترى ما هي الأمصال التي تمكن البشرية من التخلص منه وعدم انتشاره؟ وهل نحن كوطن عربي بإمكاننا أن نتغلب عليه إن أصابنا في يوم ما أو هل هو معشش بيننا ولا ندري؟». لتأتي الإجابة بأن المجتمعات العربية والإسلامية، ومن بينها فئة الشخصيات والقيادات والرموز (فئة) تتباهى بالكرم والرجولة والعروبة والإسلام والقيم المتوارثة، وهي مصابة بهوس كل تلك الجراثيم التي تبثها في المجتمعات وتدعمها حكومات ونفوذ وأموال… التمييز العنصري والطائفي المقيت في المجتمع العربي مدعوم من الحكومات وأقطاب قوى في غالبه، وإلا لكانت القوانين (الحبر على الورق) كفيلة بوأده.
«محاربة العنصرية فعل يومي، وهي تبدأ بالعمل على اللغة لتطهيرها من الألفاظ والمفردات ذات المدلول العنصري»، وتستند قطعاً على ترسيخ مبدأ المساواة في الحقوق والواجبات بين المواطنين، أياً كان دينهم ومذهبهم ولونهم.. هذا جزء من الكلام الملون الذي نسمعه من حكومات وأرباب وأهل الطائفية والتمييز والهوس العنصري. الحقيقة المؤسفة، هي أن الوطن العربي من المحيط إلى الخليج، لا يخلو من أشكال التمييز العنصري، ومع أن البعض يركز في تقديم الأمثلة على الحرب الأهلية في لبنان وقضية دارفور، لكن هي أشمل من ذلك وأكبر، بحيث لا يمكن أن نستثني قطراً عربياً أو إسلامياً، إلا وتمارس فيه هذه الأمراض. في الحقيقة، لا أزال معجباً بهاش تاق الشرق_الأوسط_للأمراض_العقلية.