سعيد محمد سعيد

أسود «الإسلام والعروبة»… الحمقى!

 

ثمة صورة وضيعة، مسيئة للدين الإسلامي وللعروبة، تلك التي وجدت في البث الفضائي العارم وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام الجديد فرصتها في البروز والتعريف والاقتداء! لتظهر شخصيات من النكرات وغير النكرات، على مستوى الخليج والعالم العربي، في مكانة «أسد الإسلام» و«سيف العروبة» و«حامي الأمة»، وما إلى ذلك من أوصاف تنضج في المطبخ العقلي للصبية والمراهقين، ثم تنتشر لتصل إلى أكابر القوم.

تأملوا أحبتي، قبل عامين، اكتسب أحدهم لقب «أسد السنة»! ولحقه آخر بحصوله على اللقب ذاته، ثم ما لبث أن تنازع الاثنان واختلفا، فأصبح أسدا الإسلام يتعاركان في حسابات التواصل الاجتماعي وكل منهما يهاجم الآخر بل ويصدر عنه مقاطع الفيديو التي يتم ترفيعها وتحتها العبارات المعلبة: «فضيحة فلان الفلاني»! «عاجل… فضيحة مزلزلة لعلانة العلانية»، وكلها في الأساس لا علاقة لها بأخلاق الدين الإسلامي فضلاً عن أن يكون لها علاقة بالأسود والسباع والضباع… بل وحتى الحمير أعزكم الله.

برز آخر وحصل على اللقب ذاته (أسد السنة)، وكان ما كان من أمره جلاداً مشهوراً وله من التاريخ (الهباب) ما يملأ الخافقين، ثم تحوّل إلى واعظ وعالم دين! لم لا، أليس هو أسدٌ من أسود السنة الشريفة؟ وتلقى من التصفيق والإعجاب والتقدير والترفيع ما يستحقه حتى عدا على أحد أئمة المساجد فبدأ عنده التحول من أسد إلى (فار). والحال كذلك، يتساقط (أسد) رابع، كان له مكانة في عرينه فيما مضى كونه مشهوداً له مهاجمة من يختلفون معه/ معهم في المذهب، لكن مع شديد الأسف، انحرف ليهاجم «الإخونجية»، فأصبح في عداد الأسود، لكن الورقية المزيفة هذه المرة.

المحور المهم بالنسبة لي هنا، هو أن استغلال تلك الوسائل الفائقة السرعة والوصول والتأثير تقنياً واجتماعياً وثقافياً من وسائل الإعلام الحديث، ومن فئات عمرية مختلفة غالبها من الناشئة والمراهقين والشباب الذين يتقنون استخدام تلك الوسائط من جهة، ويجهلون ما يتوجب أن تحتويه من مواد من جهة أخرى… أقول أن استغلال تلك الوسائل للترويج لشخصيات ساقطة، منافقة، وضيعة من المجتمع، وإبرازها في مكانة الأسود والقيادات والرموز التي يتوجب أن تحيطها حالة العروبة والإسلام والقيم السامية، ذلك كله أجده من الظواهر المسيئة للعروبة والإسلام، لا سيما حين تجد من يدافع عن القيم السامقة للدين الإسلامي وللعروبة، هو في مساره يستخدم الشتائم والسباب والفجور وانتهاك الأعراض والتلذذ بسفك الدماء والطائفية والتناحر.

هنا، تكمن المعضلة الأساسية في تقديم أولئك الحمقى على أنهم أسود وسباع وقيادات ورموز، وأنهم يمثلون نماذج من السمات والخصال العظيمة، فتأتي إلى ما يفعلون فلا تجد إلا صور الخسة والنذالة والوضاعة والوقاحة والفجور. إذن، ما معنى ذلك؟ وما هي أسباب بروزه؟ ولماذا ينخدع حتى من له درجةٌ من الثقافة والوعي بمثل هذا الترويج المسيء للعروبة والإسلام عبر وسائل التواصل اللا منتهية من ناحية أعداد المرسلين والمستقبلين؟

كل ذلك يعود من وجهة نظري إلى التأسيس الديني الخاطئ لدى الكثير من الشباب، والتعريف المعوق لمعاني الوطنية والانتماء، ثم بفعل تأثير أكثر خطورة، فتلك الممارسات الترويجية لشخصيات يراد لها أن تبرز في المجتمع لغاية ما، لهدف ما وضمن خطة ما، ليس بالمجان؟ هي مدفوعة الثمن! فيتهافت بعض صغار النفوس وأصحاب الضمائر الميتة ليستخدموا موارد هائلة من التجهيزات والتقنيات ليبدأوا في عمل خبيث بترويج أشخاص على أنهم من رموز الدين والإسلام والأوطان والعروبة، بأسلوبٍ مسيء لكل قيم الدين والإسلام والأوطان العروبة كما أسلفت.

يا أخي، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يصبح فرد من الجنس الثالث، أو جلاد دموي، أسداً من أسود الدين والعروبة! لا يمكن أن يكون من يتلذذ بالتناحر الطائفي ويبث في خطبه الدعوات الفتنوية والفكر الضال… لا يمكن أن يكون رمزاً من رموز الوطن. وكلما انتشرت هذه الظاهرة، كلما تتابعت اللكمات على المجتمع وكلما ازداد سواد الوجه. المسألة بيدي وبيدك، نعلم أنفسنا وعيالنا ومن حولنا ليأخذوا الحذر من الترويج المسيء للدين وللعروبة. هكذا هي البداية.

يمكنني أحبتي أن أستعين برأي طرحه الكاتب توفيق شومر من بين كتاباته الكثيرة حول الإسلام والعروبة: «لقد نزل الإسلام في جزيرة العرب، فخاطب أهل الجزيرة بما يعرفونه من عادات وتقاليد ورفع الحسن منها ورفض السيئ بها، وطور الكثير منها لتتناسب مع الدين والدعوة. وعندما نحلل هذه الحقيقة ندرك أن الخطاب الإسلامي تبنى البعد الثقافي العربي كخلفية ضرورية لخطاب أهل الجزيرة، ولذلك فقد رأينا وبشواهد كثيرة خلال فترة انتشار الإسلام السهولة التي انتشر بها خلال المنطقة الناطقة بالعربية بالمقارنة مع الصعوبة التي واجهته في المناطق غير العربية. هذا البعد الحضاري الثقافي للعلاقة بين الإسلام والعروبة يبرز بشكل كبير في كيفية تعامل أصحاب الديانات الأخرى في المنطقة العربية مع الدين الإسلامي. ففي حالات كثيرة انضوى هؤلاء تحت راية الإسلام في الحرب ضد غير العرب. ولذلك فمن الطبيعي أن نجد أن المسيحي العربي مثلاً، كان تاريخياً ينسجم في العادات والتقاليد مع العربي المسلم أكثر من انسجام المسلم غير العربي مع المسلم العربي». انتهى الإقتباس.

لعل من يتشدقون متنطعين بالعروبة، أن يدركوا بأنه لا يمكن التفاخر بالعروبة لأي شخص يمارس الرذائل والشتائم وانتهاك الأعراض، أو الدعوة للقتل وعدم إغاثة البريء والملهوف، ونقص العهود وإعانة الظالم على المظلوم، أو الفرح بمصائب الناس، والتسبب في الأذى لخلق الله على الهوية والطائفة. قائمة طويلة لا يعرفها الأسود التي تتحول بسرعة إلى فئران.

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

سعيد محمد سعيد

إعلامي وكاتب صحفي من مملكة البحرين، مؤلف كتاب “الكويت لاتنحني”
twitter: @smsmedi

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *