كان المشهد فعلًا مفرحاً ومؤنساً ورائعاً بالنسبة للكثير من البحرينيين الكرماء الذين ترتبط جذورهم بهذه الأرض الطيبة! وفي الوقت ذاته، كان بالفعل، مؤذياً كريهاً موجعاً ومثيراً للحنق والأحقاد بالنسبة لأصحاب القلوب والنفوس التي تشرَّبت بالطائفية البغيضة والجراثيم العنصرية الفتاكة… لكن، أي مشهد ينتظر القارئ الكريم معرفته؟
قبل أمد قصير من الزمن، وجدت فرصةً سانحة لحضور مهرجان الخيل العربية الأصيلة الذي رعاه محافظ الشمالية علي العصفور بالتعاون مع اسطبلات المها في قرية الشاخورة، وبالطبع، بمشاركة مجموعة من اسطبلات الخيل في البحرين… لك أن تتخيل، أن تجد بحرينيين من الطائفتين الكريمتين… من كل مناطق البحرين إن لم أكن مبالغاً حسبما التقيتهم من أصدقاء ومعارف… بل، وبمشاركة مقيمين من جنسيات مختلفة.. كلهم التقوا في مهرجان للخيل العربية، وفي قلب قرية الشاخورة.
تلك العروض التراثية التاريخية الوطنية العربية الأصيلة، يمكن أن تختصر كل الإسقاطات المتهاوية أصلًا ونحن نشاهد هذه الجماهير المحتشدة وهي تتابع العروض وتشجع وتصفق للفرسان والخيالة والمشاركين… ليس عصيّاً معرفة المشاركين من أسماء وألقاب عوائلهم لكي يقف ذلك المعاند المملوء بالغيظ والحنق ليظهر ما في قلبه من ألم ووجع حين يرى جمهوراً من الطائفتين الكريمتين… فرساناً من الطائفتين.. ومنظمين من الطائفتين… وهو الذي – كان ولايزال – يريد سوءاً بالبلد الكريم وبالطائفتين، ويسعى لأن يشعل النار باستحضار الخلافات التاريخية من قبيل منظمة (الشتم واللعن)، أومن قبيل المفردات المستحدثة للأذناب والخونة… عموماً، لم يكن مكانه هناك بين الطيبين حقاً… فمكانه الطبيعي هو في الغرف المظلمة المعفنة بأنفاس الحقد والطائفية ليبثها في وسائل إعلام قذرة وشبكات مأجورة ويخلص إلى نتيجة: هو حامي الحمى والمدافع عن الأوطان والإنسان؟ أليس هذه هي اسطوانة المتاجرين بالوطنية عشاق الطائفية؟
على أية حال، ذلك المشهد جال في بالي وأنا أترقب ما إذا كانت لجنة مناهضة الكراهية والطائفية ستضع في اعتبارها أولًا بأول، أن الانشطار أو الانشقاق أو الانفطار أو التشظي الطائفي القائم في البلد، يقوم عليه من يقوم شاهراً ظاهراً بلا مبالاة لا بقوانين ولا بقيم دينية ولا إنسانية ولا أخلاقية لطالما سيجد من يحميه ويسنده ويدافع عنه ويأويه؟ فهل ستنجح في دورها؟ وهل في مقدورها، ولو بما تيسر من القوانين، أن تحاكمني كمواطن لأنني أسأت لمكون أو طائفة عبر أي وسيلة وبأي شكل من الأشكال؟ أو ستجعلني حرّاً طليقاً أفعل ما أشاء مادام أنني مسنود الظهر ومن الـ «هوامير»؟
لاشك أن المسئولية على هذه اللجنة جسيمة وثقيلة ومعقدة لكنها ممكنة التطبيق بلا ريب… من حسن الحظ أن هذه اللجنة لن تكون وحدها، بل – إن أرادت – لها أن تستعين بالشخصيات البحرينية الكريمة التي قدمت المبادرات تلو المبادرات: وطن يجمعنا، بحرينيون ضد الطائفية، لا سني لا شيعي بس بحريني، فهذه الأصوات الصادقة هي من يجب أن تستفيد منها اللجنة إن أرادت أن تضع لنفسها تصوراً حقيقياً يتصدى للطائفية وللطائفيين ولمن يدعمهم ويحميهم.
سأعود أيها الأعزاء إلى يوم «الثلثاء 28 فبراير/ شباط 2006 الذي وافق التاسع والعشرين من شهر محرم للعام 1427» حينما طرحت في هذه الزاوية مقالًا بعنوان :»هيئة وطنية لمكافحة الطائفية»، وصفت فيها الأماني الكبيرة، والطموحات الخالصة، أن تتشكل لدينا في البلاد – وعلى المستويين الشعبي والحكومي – هيئة وطنية تمتلك القوة للتصدي لكل أشكال الطائفية وممارساتها في البلاد.
كانت تلك الفكرة، وغيرها الكثير من الأفكار التي راودت محدثكم على مدى سنوات، لكن مجرد طرح الفكرة على بعض الناس كان يقود إلى حال من الترهيب اللامحدود: «أنت بذلك تريد أن تقول إن البلد غارق في الطائفية أليس كذلك؟ قف عند حدك؟» أو من قائل: «الكل في بلادنا يحارب الطائفية… الكل جند مجندة ضد الطائفية، فلم هذه الهيئة وما أدراك ما الهيئات؟ ثم مجرد الفكرة تعني أنك… طائفي».
يومها قلت إنه لا يمكننا أن ننكر حقائق نعايشها بشكل يومي… الطائفية التي لا تريد الحكومة أن تضربها (بيد من حديد)، ولا يريد المواطنون مواجهتها بمواقف حقيقية نابعة من المسئولية الوطنية، ولا يريد أحد كائناً من يكون، أن يعترف بها لكي يتخذ منها موقفاً يرضاه ضميره… بل على العكس من ذلك، هناك من يتبنى النفَس الطائفي البغيض وبصورة تخلو من الإحساس بالمسئولية.
ليس مهماً أن يكون كاتباً أو كاتبة صحافية معروفة ومرموقة لكي يتفق الناس على أنهما عبقريَّا زمانهما، وأنهما يقولان القول الفصل حين يتحدثان عن قضية لها صبغة طائفية بحتة! وليس صحيحاً أن يخرج علينا نائب أطلق المجال للحيته، ولأنه تعلم بعض أصول تجويد قراءة القرآن الكريم، وصلى بالناس جماعة أو جمعة وخطب فيهم خطبتين، فإنه بذلك ولي الله الصالح الذي تنزَّه عن الأخطاء وعصم نفسه عن الوقوع في الزلل! وأنه حقيقة، ذلك الإنسان الذي يمتلك صكوكاً خاصة ليُدخل هذا الجنة ويرمي بالآخر على وجهه في النار وبئس المصير!
مشكلتنا في بلادنا أن الكل (يتفلسف) في المكافحة والمحاربة والمناهضة… نعم، بمن فيهم محدثكم نفسه؟! ولماذا ننكر ذلك؟
فليتفلسف من يشاء، ولكن، لننظر إلى ما ستؤول إليه أوضاع الأجيال القادمة إن بقي أصحاب الجراثيم الطائفية يدمرون بيت الأسرة الواحدة بطائفتيه الكريمتين… لن ينفع الندم… صدقوني، «الله لا يجيب ذاك اليوم»… أسمع البعض وكأنه يقول (لقد أتى يا رجل!).. عساه بعيداً.