حدثنا «أبو البوق» الحرامي، في حديث ذي شجون، عن ديوان الرقابة المالية بما فيه من تفاصيل وشئون، مدعياً أنه لم يجد في مثل هذا التقرير ما يدعو للخوف من المستقبل، ما دام اللص والحرامي والسارق والمرتشي يعتبر المواطنين (أهبل في أهبل). حتى بلغ الحديث مبلغ تعريف الفساد، وسرقة مال البلاد والعباد، من أجل الخير والتوفيق، والصلاح والسداد.
كاد «أبو البوق» الحرامي يصيح، من شدة حديثه الصريح، فقال وهو يتصفح التقرير ذي الثمانمئة ونيف صفحة، بعد أحد عشر عاماً من التجاوزات والتراكمات الجسيمة التي تلفح في أموال البلد لفحة تلو لفحة، قال: «إن هدر ملايين الدنانير هكذا دون محاسبة ولا يحزنون، يعني أن الخير كثير يلطشه الهوامير بلا قانون، فلا أحد سيحاسبهم يوماً ما وهم يفرحون. وإذا شعر المواطن بالإحباط أو أصابه الجنون، فعليه أن يرتمي في حضن اللص الحنون، حتى تزول عنه الظنون»!
استمع أحد الرجال إلى ما قاله «أبو البوق» مستنكراً كلامه.. فوبّخه قائلاً: «استفق فأنت تتحدث وأنت تعرف أن هناك 50 دولة على قائمة الفساد، ليس من بينها المنامة، لكن على أية حال، لا يجب أن تضع رأسك في التراب مثل النعامة، وقل الحق إن كنت ذا دين وعقل وقيم وكرامة. فتقرير الرقابة، حل بنا مصابه، وضاعف الكآبة. يقول أن سبع عشرة وزارة وجهة حكومية، صرفت أقل من 50 بالميّة من مخصصاتها للمشاريع والتنمية! وحرمت المواطن من الخير و«صرقعته» ميّة بالميّة.. فما أنت قائل في 58 ألف دينار كمصاريف لأبناء الموظفين؟ هل على رأسهم ريشة أم أنه (لله يا محسنين)؟ وشركة طيران (الضعضعة) صرفت لتأثيثها 29 مليار دولار وربما تذاكر مرجعة! وأداؤها في الأصل سبب زوبعة؟ وخذ مثالاً آخر: 74 ألف دينار لحفل في المنامة، تكفي لمئات الأسر المعوزة تنفعهم في شهر رمضان أو موسم المدارس أو تكفل للجائع طعامه.
وقبل أن يكمل الكلام، اشتاط غيظاً أبو البوق الحرامي مجلجلاً بصوته حرام في حرام، متهماً الرجل بأنه يحرض على الاستقرار والنظام. وأنه يكذب في التفاصيل والأرقام! فكل ما جرى ليس به حقيقة، وإنما يريد أن يضاعف الحريقة! فليس بيننا لص واحد، وليس بيننا أحد (منشاره) يأكل في أموالنا سواء كان نازلا أم صاعدا. ما ضيركم إن حصل الموظف الفقير ويح قلبي ويلي ويلاه؟ على ثلاثة آلاف دينار كبدل عمل إضافي نظير شقائه وتعبه وبلواه؟ وشحوال أنت شحوال. لو أخذ (المدير) في آخر العام مكافأةً من المال؟ له 500 دينار وللربع 300 بلا مكرمة ولا جواب ولا سؤال؟ وشحوال أنت شحوال!
يصفق الحرامي للحرامي في سرور – من باب ذكر الفضل لا الجحود – فيا لذلك المواطن المسكين يقتات على الوعود، وكلما اشتكى من العوز ومن هم العيال والقروض والمعيشة الثقيلة ودخله المحدود، تأتي له الإجابة: خلك على الصمود… خلك على الصمود.
وبعد كل ما جرى وصار، أشاد لص آخر بلصه الصديق، في قوله وفعله وصنعه الوثيق. فعنده الحرامي، «أبو البوق» المحامي، عن كل مال الناس والبلد، محلاه ما أحلاه هالولد. لكن غيره بكى من حسرة ولوعة بلا حدود أو عدد. سيختفي اللصوص، ويختفي التقرير، مصيره تنشره الصحافة غداً وبعده وبعده. وبعدها تنمو له أجنحة، وفجأةً يطير. والناس تنظر حولها، تبحث عن أهل الفساد تارة، وتارة تسأل: «ما المصير؟». فهل سيودعون في السجون وفق جرمهم، فجرمهم خطير، أم سوف تقلع المحاكم عيونهم وترجع الأموال من خزائن، أو من مصارف هنا.. هناك. أو دفنت في تربة من أسفل الحصير؟ أم سوف يبقى اللص في أمانه.. يفسفس الحب ويشرب العصير؟
أما أنا نصيحتي لكم، لا تظلموا اللص ولا تحاسبوا الحرامي.. فالمشهد أراه في وضوحه أمامي.. اللص والحرامي.. يقدمان خدمة جليلة.. يلملمان المال كي (يذخروه) للجيل الذي سيأتي.. أوضاعه عليله. للمشهد الظلامي. فربما حلت بنا نائبة أقوى من الرماح والسهام. فحينها، سيصدر التقرير في حلته الجديدة مبدداً أوهامي.. وعليكم تحيتي.. وإليكم سلامي.