لنحاول أن نكون منصفين مع قضية الشيخ أحمد الفهد التي تكاد تكون صورة مأساوية لـ”هاملت” بالكويت والخليج، لكن من دون شكسبير كويتي، وإنما هي من إبداع خيال جدة طاعنة في السن تروي الحكاية في مساء هادئ لأحفادها بخيالات و”ميثولوجيا” ألف ليلة وليلة حتى يخلد الصغار للنوم، ونحن اليوم هؤلاء الصغار في بيت الأبوية الكويتي أو العربي بشكل عام.
حكاية أحمد الفهد، هي “ظاهرة” تتكرر مع مراحل الزمن، وليس من العدل إلصاقها بشخص أحمد الفهد تحديداً. هي “حزاية” (قصة شعبية) ليست جديدة في تراث الجدة “حبابة” في المسلسل الإذاعي للراحلة مريم الغضبان وحكاياتها في ليلة رمضانية طويلة، فالصراع على السلطة بين أبناء القصور قديم قدم ظهور السلطة الحاكمة، ولم يحدث أن وجدت أسرة حاكمة تتوارث السلطة لم يحدث بين أبنائها خلافات وصراعات للاستفراد بالسلطة، قد تصل، تلك الصراعات أحياناً كثيرة إلى تصفية الخصوم المنافسين، وتنتهي في أحايين أخرى لحلول وسط واستبعاد المتحدي أو إبعاد سيد القصر، هكذا كان تاريخ صراع القصور والسلطة حتى ظهرت الدولة الحديثة التي يحكمها القانون والتي ينظم فيها آليات الصراع عبر مؤسسات قانونية عامة ثابتة مستقرة.
شهد تاريخ الكويت مثل هذه الصراعات، بل يمكن الجزم بأنه لم تمر فترة ما من هذا التاريخ لم يحدث فيها هذا الخلاف، ففي الذاكرة القريبة نسبياً كانت هناك خلافات بين شيوخ مثل فهد السالم وعبدالله المبارك وعبدالله الأحمد ثم جابر العلي والأمير الراحل جابر الأحمد، رحمهم الله جميعاً، وانتهت في ما بعد تلك التجاذبات والخلافات عبر تحالفات حسمت الخلاف بين أفراد الحكم.
بعد ميلاد الدستور ودولة القانون والمؤسسات – نظرياً على الأقل – يفترض ألا تتكرر مثل تلك الصراعات، لكن الذي حدث أنه من منتصف سبعينيات القرن الماضي شرعت السلطة في تهميش مؤسسات الدولة تدريجياً، وإهمال الدستور، وكان من الطبيعي أن يموت هذا الجنين الصغير الذي اسمه حكم القانون والمؤسسة العامة المستقلة، ليحل مكانه الطموح الشخصي للمتطلعين للسلطة، وكرست، تبعاً لذلك النهج فردية القرار السياسي مقابل سحق تام لحكم المؤسسات.
لكن ما المؤسسات التي نتحدث عنها؟! هي نهج وسلوك ثابت ومستقر يتكرر بإيمان القائمين عليها، وتحكمها قواعد ومعايير عامة مجردة تثبت اليقين القانوني والأمان نحو المستقبل في وجدان المحكومين، ولا مكان فيها لأهواء وتطلعات ذاتية، وقوامها المساواة التامة بين المواطنين دون تفرقة حسب الأصل أو الدين أو الطائفة.
حين تضعف تلك المؤسسات المجردة أو تتآكل، عندها تهيمن عليها وتتملكها، رموز فاسدة تظهر، تلك الرموز هذه المؤسسات ومقدراتها المالية لحسابها الشخصي ولجماعاتها التي تدور في فلكها، هنا، لا يصح أن نصفها بعد ذلك بلفظ مؤسسات مجردة، إنما يعمم عليها وصف مؤسسة الفساد الذاتية تحديداً، وتحت سلطان هذه المؤسسة لا توجد قواعد منصفة عادلة لإدارة الدولة، لديها فقط قواعد المال السياسي واستعماله لتحقيق طموحات ذاتية للطامحين، المال يغتصب ويختلس من عمر الأجيال ومن رصيدهم، ويظهر مع أفول المؤسسة العامة كل الأمراض السياسية والاجتماعية، مثل القبلية والطائفية والشللية والمحسوبيات التي تقصر من عمر الدولة وتعجل بزوالها.
صراعات الشيخ أحمد الفهد مع “عيال عمّه” بالطريقة التي حدثت كانت نتيجة طبيعية لضعف مؤسسات الدولة وتغييبها، ومن حق أحمد الفهد أن تكون له تطلعاته في السلطة مثلما هذا الحق مقرر لأبناء عمومته من الأسرة متى تم تقرير تلك الحقوق من قبل المواطنين حسب الدستور وقواعد الشفافية التي يمليها حكم القانون… ولنتذكر أنه كانت لـ “هاملت” قضية عادلة، لكنه لم يحسن الدفاع عنها.