حذرنا دائماً من حالة الاحتقان الطائفي وغياب روح التسامح والتعددية في الفكر والموقف وفق مبدأ الرأي والرأي الآخر، وما يتمخض عن ذلك من تحديد مفهوم الولاء والوطنية وتوزيع التهم الخطيرة لا سيما في صلب المواطنة، وهذا ما يحدث اليوم على مواقع التواصل الاجتماعي على خلفية الحرب في اليمن، وبدء عاصفة الحزم من تحالف عربي تشارك فيه الكويت بشكل صريح ومعلن ومباشر، وفي تغير للمواقف فإن من يقف ضد هذه الحرب يواجه بالطعن في وطنيته وخيانته، ويتم التحريض عليه بكل أشكال العقاب وفي طليعتها سحب “الجناسي”.
هذا التحريض نفسه كان يمارس ضد الحراك السياسي حتى وقت قريب جداً، بل لم يكن هناك حرج في إبداء الفرح والتشفي لمواجهة احتجاجات ساحة الإرادة وسحب الجنسية من بعض الأفراد، وردود الفعل نفسها في الإطار العام كانت تطفو إلى السطح عند تبني مواقف سياسية سواءً على الصعيد الداخلي أو الإقليمي، ومثل هذا التشفي والتحريض بالتأكيد سوف يساهمان أكثر وأكثر في إضعاف النسيج المجتمعي وإجهاض أي محاولات لاستعادة الثقة بين المكونات الكويتية خصوصا في البعد المذهبي.
عالم السياسة حافل دائماً بالتقلبات، وموازين المصالح والتحالفات تحدد اتفاق الدول والحكومات واختلافها حولها، وطالما تغيرت الموازين والمواقع ليس عبر التاريخ الطويل بل خلال السنوات والشهور القليلة الماضية، وقد لا تكون حرب اليمن، وهي السادسة للعلم منذ الحرب العالمية الثانية آخر المطاف في اختلاف الموقف منها، فتجربة الحرب العراقية الإيرانية كانت مريرة على الكويت والكويتيين، ولكن صدام حسين خدمنا جميعاً وأعاد جبهتنا الداخلية بعد عدوانه وغزوه لنا عام 1991، وتوالت بعد ذلك الأحداث الصعبة في المنطقة، حيث أسقط النظام البعثي في العراق واختلفنا ككويتيين حول تبعات ذلك، وسرعان ما هبت رياح الربيع العربي وانقسمت الآراء في تأييدها ورفضها، ومعها سطوع نجم التيار الإسلامي خصوصا تنظيم الإخوان المسلمين، وما جرى من سقوطهم السريع في مصر واحتوائهم في تونس وضربهم في ليبيا.
حتى دول الخليج لم تسلم من اختلافاتنا الداخلية، بدءا من أحداث البحرين مروراً باتهام بعض الحكومات الخليجية في دعم المعارضة الكويتية وتحريكها أو بعض فئاتها وانتهاءً بعاصفة الحزم الراهنة.
هذه الأحداث دون استثناء ساهمت في تعميق الخلافات الداخلية بغض النظر عن تفاصيلها وتبريراتها، وكانت التهم المعلبة جاهزة في كل مرة، فـ”الإخوان” تم اتهامهم بالوقوف مع حكومة مرسي في مصر، والقبائل تم اتهامها بالولاء الخارجي بسبب وجودهم في المعارضة، والشيعة تم اتهامهم بالولاء للخارج بسبب أحداث البحرين واليمن، وفي كل حالة فإن الخيانة المستحقة لسحب الجنسية والاستئصال كان هو الصوت العالي.
قد يكون صوت الحكمة والحوار الأخوي مع احترام الآراء نشازاً في ظل هذه الظروف، ولكن المسؤولية التاريخية والواجب الشرعي وأمانة حفظ ما تبقى من روابط الأخوة في المواطنة تتطلب هذا الموقف، وندعو الله أن يهدي اليمنيين بكل فصائلهم واتجاهاتهم إلى التفاهم والحوار حتى تحت ظل النيران الداخلية والخارجية، فلا أحد ينفعهم إلا عودتهم إلى بعضهم بعضا بعد ست تجارب مريرة تركت اليمن السعيد في ذيل قائمة الفقر ليس عربياً بل عالمياً!