ما إن أنهى دراسته في العلوم الشرطية بمصر وبريطانيا، حتى تم تعيينه في سنة 1954 مديراً للشرطة برتبة مقدم. جاء جاسم القطامي بأفكار متطورة لكيفية جعل الشرطة أكثر كفاءة، منطلقاً من أن الأمن يتحقق عندما يقتنع الناس بأن الشرطة موجودة لخدمتهم، لا لضربهم وملاحقتهم. ولذا شعار “الشرطة في خدمة الشعب” لم يكن مجرد شعار، ولكنه كان ممارسة، تم زرعها في التأهيل والتدريب وقواعد الاشتباك وعقيدة العمل الشرطي.
وفي سنة 1956، وتضامناً مع مصر التي كانت تتعرض لعدوان ثلاثي من بريطانيا وفرنسا وإسرائيل، هبت الجماهير في الكويت للتظاهر وإبداء تضامنها مع مصر. وكان أن صدرت الأوامر، وبضغط من بريطانيا، للتصدي للمظاهرات، بما في ذلك استخدام القوة لتفريق المتظاهرين. وعبثاً حاول جاسم القطامي أن يقنع الإدارة السياسية بأن دور الشرطة هو حماية الناس وتنظيم المظاهرة لكي لا تخرج عن مسارها السلمي، إلا أن ذلك لم يلق قبولاً، فما كان منه إلا أن تقدم باستقالته من منصبه، والتي وجهها للشيخ صباح السالم، رحمه الله، رئيس دائرة الشرطة حينذاك والتي نصت في جزء منها:
“كان بودي الاستمرار في عملي كمدير لشرطتكم الموقرة، بيد أن اختلافي مع سموكم في مسائل تتعلق بمستقبل الشعب وبحريته وكرامته… لهذا أرجو قبول استقالتي والله يحفظكم”، وقد تضامن معه بعض الشباب الكويتي في سلك الشرطة وقدموا استقالاتهم.
لم يتمكن أحد، على الرغم من الاستقالة المدوية في ذاك الوقت، من أن يشكك في وطنية وإخلاص جاسم القطامي، فما إن استقلت الكويت سنة 1961 وجدنا الشيخ عبدالله السالم يكلفه بتأسيس وزارة الخارجية، وصار أول وكيل لتلك الوزارة التي لعبت دوراً أساسياً في تثبيت استقلال الكويت في الجامعة العربية والأمم المتحدة لاحقاً.
الأمن لا يتحقق عن طريق كلمات وتهديد أناس مسالمين على شاكلة “اصكج على راسج”، كما حدث مساء الاثنين، الذي يوضح أن الشرطة لم تعد في خدمة الشعب، بل في خدمة السلطة، وشتان بين أن يتحقق الأمن عن طريق خدمة الناس أو التعدي عليهم لفظياً وجسدياً.
بوجود شخصيات من نوع جاسم القطامي، وهم كثر، ومنهم من رحل أو من لا يزال بيننا، تصبح الكويت “غير”، ومتميزة، وبدونهم تصبح البلاد عادية جداً.