في دولة «يُحظر» الكويتية اليوم تصبح الكتابة أو التعبير عن الرأي البسيط بالإنترنت مثل الذي يمشي على بيض، أو السير وسط حقل ألغام متى كان صاحب الرأي يحاول أن يقدم رأياً مختلفاً ومتحدياً لنمطية سياسة التدجين السلطوية، لا يداهن ولا يضرب «الطار» بالمقلوب لأصحاب السلطة وأتباعهم». ولا يعد هذا الرأي خاوياً تافهاً مثل قبضة من الطين لا شكل لها ولا طعم ولا لون ولا رائحة، بل مجرد ملء فراغ في الصحيفة أو في مساحة الرأي لا يقول فيه صاحبها غير أنا موجود، ولو كان وجودي نكرة وهامشياً بلا مضمون ولا معنى، وما أكثر مثل هذا النوع من الآراء «الباصجة» نجدها اليوم على صحفات صحف الدولة التي «لا تهشّ ولا تنشّ» في النهاية.
إذا استثنينا فترة ما بعد الحل الدستوري عام 1986 وإلى الفترة القصيرة ما بعد التحرير، يمكن القول إن الدولة تمر الآن بأسوأ مراحل قمع الرأي في تاريخها الدستوري.
ففي زمن المشي على البيض أودعت السلطة عدداً من الشباب السجون، تنفيذاً لحكم قضائي أو إعمالاً لحبس احتياطي، بعد أن أضحى الأخير عقوبة مغلفة بقفازات الإجراء الاحترازي، كما تملي قوانين الحظر والزجر.
وفي هذه الأيام، أعملت السلطة أخطر أسلحتها القهرية، بسحب الجنسية عن عدد من المعارضين، وبطبيعة الحال كانت السلطة تضع ديكور ورداء «إعمال حكم القانون» في إلغاء الهوية وسحقها، كي يصبح المواطن بعد ذلك رقماً زائداً من أرقام البشر البدون، المصيبة تتجسد هنا في عبارة «إعمال حكم القانون» حين تكون قوانين سحب الجنسية ومواد كثيرة في قانون الجزاء والمطبوعات سواد وجه، فمثل تلك القوانين هي عورة حضارية بحد ذاتها، وهي تناقض روح الدستور المنسي، ولا يمكن للمظلوم أن يطرق أبواب العدالة كي تنصفه من تلك القوانين التي حصّنت نفسها بنفسها، أو عبر الفهم الضيق المساير لرغبات السلطة التنفيذية المهيمنة.
عندها تصبح أزمة الحرية والكرامة ليست بالنص القمعي في حد ذاته فقط، وإنما بابتسار فهمه وتطبيقه، وتصبح هناك ميكانيكية بغيضة بتطبيق النص بـ «قضّه وقضيضه»، دون محاولة تجاوز الظلم الفادح في صريح عبارته.
في دولة «يُحظر» يمر الزمن بطيئاً مملاً، خانقاً، يختصر عمرنا الإنساني إلى حالة «قطيعية»، أي نحيا كقطيع فاقد القدرة على الرفض والتحدي، ويصبح كل همنا أن نعيش كل يوم بيومه، ولا نمارس أي قلق مشروع من المستقبل المجهول، ولا نعرف، آخر النهار، غير ترديد عبارة «الله لا يغير علينا»، مع أن الكون حولنا انقلب وتغيّر.