من عادات أهل الكويت أنه إذا تكدّس الغبار في “الزوليّة” أو السجادة، فإنها تعلّق من منتصفها على سور سطح البيت وتضرب بالعصا لمدة طويلة حتى تتطاير منها الأتربة، ومن أجل التأكد من نظافة السجادة فإنها تقلب على جانبها الآخر ويستمر عليها الضرب بالطريقة نفسها، وتسمى هذه العملية “نفض الزوليّة”.
اليوم الكويت بحاجة إلى هذه “النفضة”، حيث انتشرت فيها عميقاً كل أنواع الأتربة التي تحمل معها صور الفساد والرشوة والمحسوبية والتخبط الإداري والهدر المالي، إضافة إلى ضياع هيبة القانون والنظام وحالة الإحباط الواسعة والتخوف من المستقبل، كل هذا في ظل احتقان حاد، وانعدام الثقة بين الناس، واختفاء روح التسامح بينهم، وأخيراً الغضب الشديد من مؤسسات الدولة والقائمين عليها.
الرشوة السياسية باتت العنوان الرئيسي تقريباً لكل مشاكلنا الراهنة، وهي مفتاح القرار في الكثير من أجهزة الدولة كما يعتقد الناس، وبغض النظر عن الجوانب القانونية والأدلة الفنية والإجراءات الخاصة بالتحقيق والتحري والتقاضي، إلا أنه تشكّل رأي عام واسع بأن البلد يعيش حالة غير مسبوقة من الفساد، وآفة أي بلد أن يفقد الشعب ثقته بالمؤسسات والمسؤولين عندما يحشر الجميع في زاوية الاتهام.
القصص والروايات والأحداث التي فجرتها فضيحة الإيداعات المليونية والتحويلات الخارجية والرشا الأخرى في السنوات القليلة الماضية خلقت هذا الشعور العام بالشك والريبة، خصوصا أن ملفات هذه القضايا لم تتم متابعتها وتقصيها على درجة عالية من المسؤولية والحرفية، إما لقصور قانوني أو التعامل السياسي الواضح.
اتهامات الفساد لم تستثن أحداً في عموم السلطات الدستورية، حتى الخصوم فيما بينهم والحرب الإعلامية مستمرة ما بين “قبيضة” الأموال وتورم الحسابات البنكية للنواب الموالين للحكومة، مقابل تورم عقارات المعارضة من جهة، والتسريبات المصورة التي تكشف لقاءات يراها الكثير من الناس مريبة وخطيرة من جهة ثانية، والأنباء الخاصة بالاختلاسات العامة من جهة ثالثة.
المشكلة تقع في الصمت المستمر من الجهات المسؤولة الرقابية منها كمجلس الأمة، والتنفيذية المتمثلة بالحكومة وكذلك وسائل الإعلام الرئيسية وسط غليان شعبي وتحركات اجتهادية تعكس ردود فعل غاضبة سرعان ما تنحسر، خصوصاً مع التلويح بكل أشكال العقوبة الصارمة، ولذلك فإن حالة الرتابة القائمة لا تزيد المشاكل إلا تعقيداً، ويظل الجميع يدور في ذات الحلقة المفرغة، فالحراك يتواصل مداً وجزراً والأقلام تستمر بالكتابة، والمغردون يكثفون تغريداتهم، والاتهامات تتضاعف، والنتيجة المحتومة أن الفساد أياً كان مصدره ورموزه يسرح ويمرح.
لذلك فإن “نفضة الزوليّة” باتت مستحقة وتتمثل بتغيير شامل وجذري لجميع المؤسسات دون استثناء، وتمكين جيل جديد يتسم بالنزاهة والحيادية، ووفق معايير الإفصاح عن الذمة المالية وضوابط منع تضارب المصالح وتقييم الأداء بالتصدي لإخراج البلد من هذا المستنفع السياسي، فمتى تعلّق “الزوليّة” على السطح؟!