الحكاية مكررة. السلطة تسعى لمنع الآخرين ممارسة حرياتهم العادية، السلمية، تحت مبررات الإضرار بالأمن الوطني، وتذهب بعيداً في ذاك التفسير. ثم ينتقل المنع إلى الإضرار بالعلاقات مع الدول، ومرة أخرى تذهب بعيداً في التفسير، والتعسف غير المبرر. وكلما زادت صلاحيات السلطة توسعت في التعدي على الحريات.
في حقبة السبعينيات، وبسبب الحرية النسبية المتاحة للصحافة في الكويت، واشتعال الحرب الأهلية اللبنانية، كانت أكثر القضايا المرفوعة على الصحافة تدور حول «الإساءة إلى الدول الصديقة والشقيقة»، إلا أنه لم يحدث في حالة واحدة أن تم إلقاء القبض على أحد. كان خطاب النيابة العامة يصل الصحيفة لاستدعاء المحرر المعني بالمقال، ويتم تحديد الموعد بمرونة. تقوم النيابة بالتحقيق، وإما أن تحفظ القضية، أو تحال للمحكمة، ولم يحدث مطلقاً إخلاء سبيل المدعى عليه بكفالة، حيث لم يكن هناك مبرر للحبس الاحتياطي أصلا. تصدر المحكمة حكمها، وفي الكثير من الحالات كان الحكم بالبراءة، ولم يصدر مطلقاً حكم حبس في مثل هذه الحالات.
وفي صيف ١٩٧٦ تم حل مجلس الأمة، وتعليق الدستور، وكان أحد مبررات الحل، تمادي الصحافة، والخشية من تدميرها المجتمع والإضرار بالأمن الوطني. وعدل قانون المطبوعات بإضافة المادة ٣٥ مكرر، والتي تسمح بإغلاق أي صحيفة وحتى سحب الامتياز. كان أول قانون تم تعديله.
في ١٩٨٦ تم حل المجلس وتعليق الدستور، مرة أخرى، وأضيفت الرقابة المسبقة على الصحافة لأول مرة في تاريخ البلاد، بحجة حماية الأمن الوطني، كانت النتائج عكسية تماماً، على الصعيدين الداخلي والخارجي، حيث أضرت تلك الرقابة بمصلحة المجتمع، واستقراره، وعلاقاته الخارجية، وقبل هذا وذاك، أمنه الوطني، كما أفادت دراسة موثقة.
الملاحظ على تعامل دول المنطقة مع الحريات، هو أنها تتراجع بشكل سريع، وأن مساحة حرية التعبير تضيق، وأساليب التضييق تتطور، وفي الغالب بمبرر الأمن، ولمزيد من التضييق الإساءة للدول الشقيقة والصديقة، ما يعيدنا إلى حقبة السبعينيات، إلا أن الفرق هو أنها كانت حينذاك تتم بصورة أكثر حضارية، أما اليوم فلا حول ولا قوة إلا بالله.