الحالة الهستيرية التي عاشها بعض أعضاء مجلس الأمة الحالي بسبب تغريدة أطلقها أحد المغردين، ومن بعدها تصريح السيد وزير الكهرباء المستقيل حول ضريبة استجوابه، لا تتعدى في رأيي محاولة أخرى لسرقة الأضواء لأكبر كيان دستوري لم يعد الرأي العام الشعبي يعيره أي اهتمام يذكر، فحجم المجلس الحالي ومستواه في نظر غالبية الشعب الكويتي بمن فيهم من شارك في اختياره ليس بحاجه إلى إطلاق تهم الرشوة السياسية عليه، وأن يتعرض بسبب ذلك المنتقدون إلى المساءلة القانونية أو الضريبة السياسية كما حدث مع الوزير عبدالعزيز الإبراهيم.
استنفار بعض النواب وتهديدهم باللجوء إلى القضاء أو تشكيل لجنة تحقيق برلمانية مجرد زوبعة في فنجان، والاستقواء على من هم أضعف منهم، وإلا كيف نفسّر تصريح النائب راكان النصف بأن استقالة وزير الكهرباء هي انتصار لقوى الفساد؟ وماذا يعني تصريح النائب عبدالرحمن الجيران بأن الإبراهيم قدّم قرباناً لتصفية الحسابات؟ وماذا يقصد النائب أحمد القضيبي بأن سبب استقالة الوزير هي النيران الصديقة؟ أليست الاتهامات التي يوجهها النواب إلى بعضهم بعضا وآخرها جلسة الأسبوع الماضي بأنهم “حرامية وقبيضون ومأجورون” مصطلحات أخرى تعكس الطعن الصريح والمباشر في الذمم المالية فيما بينهم؟ وكيف نفسر وجود عدد كبير من النواب ممن اتهموا، وتم تحويلهم إلى النيابة والتحقيق على خلفية تضخم حساباتهم البنكية بالملايين في مجلس، رئيسه الحالي شاهد ملك على وقائعه؟ كل هذه الشواهد والأمثلة تثير عاصفة من الشكوك والارتياب من الوضع المأساوي في البلد بشكل عام، وهذا ما يعبّر عنه حتى بعض النواب في زياراتهم للدواوين بكل شفافية ووضوح.
لذلك لا أؤيد شخصياً التسرّع في إطلاق التصريحات أو التغريدات الملغمة قانونياً على الرغم من احترامي الكبير لحالة الغضب الشعبي من بعض ممارسات هذا المجلس، أما استقالة السيد الوزير الإبراهيم فلم تكن مبررة أيضاً قبل مناقشة الاستجواب، وإن كان ذلك من حقه المطلق وتقديره الخاص، فالوزير سبق أن قلب الطاولة على مستجوبيه قبل عدة شهور، ومناقشة استجوابه الجديد كان من شأنها كشف الكثير من الحقائق للشعب الكويتي، فأحد محاور الاستجواب الخاص بمشروع المطار كان وساماً للوزير في فضح أوجه الفساد الذي ينتصر له بعض الأعضاء، وكنا نتمنى أن يقلب الوزير الطاولة مرة أخرى على مستجوبيه، ومع ذلك نعول على الوزير الجديد بأن يستمر ويصمد أمام هذه التهديدات لأنها فارغة في محتواها، وجديرة بأن يكسب بها ثقة الناس مع بداية مسؤولياته الجديدة.
مأساة الفساد المالي في الكويت تظل ظاهرة نخرت مع الأسف الشديد في مختلف أجهزة الدولة وعلى كل المستويات، وبشهادة لجان تحقيق وهيئات عالمية ووطنية مستقلة، وسواء دارت مثل هذه الشبهات حول مجلس الأمة أم لم تدر رغم فضيحة مجلس 2009 المخزية، فإن علاج هذه الآفة يتطلب جهداً لا يستثنى أحد من المشاركة فيه بدءاً من القيادة السياسية مروراً بأجهزة الدولة وانتهاءً بالمواطن العادي.
لكن الدمار الذي يتسبب فيه هذا المجلس في الفساد التشريعي بخنق الحريات العامة، وإفراغ القوانين المحاربة للفساد من محتواها، وتصفية الاتحادات ومؤسسات المجتمع المدني والتشريع لاستباحة الخمور، هو مربط الفرس، وأعظم مصيبة يلزم التصدي لها بكل حزم قبل فوات الأوان!