طريقة القبض وإحضار المتهمين في قضايا الرأي لا يراد بها إعمال نصوص قانون الإجراءات الجزائية، كما تروّج وزارة الداخلية، بل يُقصَد منها ترويع المتهمين وإرهابهم، وإيصال رسالة إلى غيرهم (بأدبيات عبارة: «كل من تسول له نفسه» السلطوية) أن هذا مصير كل من يفكر في حرية وينتقد الأوضاع في الدولة.
طالعت بيان وزارة الداخلية بشأن القبض على الناشط السياسي طارق المطيري الأمين العام لحركة «حدم»، حيث ذكر أنها كلفت طارق بالحضور للتحقيق، ولكنه رفض… يصعب هضم تصريح «الداخلية»، وكان يمكن ابتلاعه لو لم يكن هناك «سوابق» للوزارة تقول غير ذلك، فمحمد العجمي (أبو عسم) لم يُبلَّغ ويكلف بالحضور إلى جهات التحقيق، ثم امتنع، حتى يقبض بطريقة المداهمة الاستعراضية، ويرمى به في سيارة الأمن مقيد اليدين من الخلف، وكأنه قاطع طريق خطير، وليس شاباً بسيطاً يعبر بعفوية عن خواطر نفسه بتغريدات عامة، وليس «أبو عسم» أول ولا آخر «قطاع الطرق» الذين مورست معه أعمال القبض والسجن الترويعية، فهناك عدة سوابق، حدثت لكُتّاب وأصحاب رأي تحديداً… وأضحت اليوم بعد أن ابتلعت السلطة التنفيذية بقية سلطات الدولة، ممارسة عادية للجهات الأمنية.
ماذا تريد وزارة الداخلية، وأي رسالة تريد إيصالها إلى الغير؟ هل تريد أن تقول لهم، إنها «تضرب بيد من حديد» على أصحاب الرأي، حتى يرضى عنها، وتفي الدولة، بالتالي، بمتطلبات الأمن في المنطقة حسب اشتراطات وشروط هذا الغير؟ ماذا تريد السلطة حين تمارس القهر مع الشباب، هل تتصور أنها بذلك تؤدبهم وتعلمهم أصول الكلام وكيفية التعبير عن أنفسهم، أم أنها لا تريد أحداً يعبر عن ذاته؟ وأن يكون حقهم محصوراً فيما يُملى عليهم، وأن يكون فكرهم محدداً حسب «الأصول المرعية» التي تمليها الدولة لا غير، لا تفكروا نحن نفكر عنكم، لا تتحدثوا نحن نتحدث عنكم، لا تعبروا عن أنفسكم، نحن أقدر منكم بكيفية التعبير…؟! ماذا تريد السلطة اليوم، وأي قوانين بائسة غير دستورية تتذرع بها حتى وصلنا إلى هذا الحال المزري؟!
سيادة الدولة، لا تعني فقط ممارسة السلطة على إقليم الدولة دون منافس، بل تعني كذلك، كما أفهمها، تكريس حماية الأفراد فيها وضمان حرياتهم الدستورية، وبقدر هذه الحماية وتوفير الضمانات للأفراد تكرس الدولة سيادتها الحقيقية، وتحصنها من تدخلات الغير.
ليتكم يا أهل السلطة تلتفتون إلى قوانين لا أجدها محل اهتمامكم… كقوانين محاربة الفساد، وسرقات ونهب أملاك الدولة، واستغلال النفود والسلطة العامة… والتسيب الوظيفي، والمرور… القائمة طويلة بالقوانين المنسية، تذكرونها يا ناس… أم أنكم لا تعرفون غير قوانين قمع حريات التعبير، التي اختزلت كل قوانين الدولة بها… هل هكذا تفهمون السيادة يا أصحاب السيادة؟!