محمد الوشيحي

من سعد إلى الحربش

لم أكن أجهل ما وراء الجبل عندما كتبت مهاجما تسييس القبيلة وتدخل شيوخ القبائل في السياسة وفرض آرائهم على أبناء قبائلهم، وكأنّ أبناء القبائل العاديين على كفالة الشيوخ… كتبت المقالة وتوجهت إلى منزل الزميل سعد العجمي الكاتب في جريدة الجريدة لتناول العشاء، أو «الغبقة» كما نسميها بلهجتنا المحلية، وكنا في رمضان، وما أن استويت في مجلسي حتى صدرت الصحيفة، وبدأت أمطار الاتصالات تنهمر عليّ بشدة، فعلمت بأن بيارق الحرب ارتفعت، وأن الطبول ضُربت، وأن الخيل سُرّجت، فقلت لمحب اتصل بي: «لا عليك، غضبُ الشيوخ أو بعضهم سببه الخوف على نفوذهم، وشيوخنا نجلهم وسنحارب بشراسة لتثبيت مكانتهم الاجتماعية، لكننا سنحارب بصورة أشرس لتحرير الآراء السياسية لأبناء القبائل من قيود الشيوخ»، فأبدى استعداده للوقوف معي، بل وذهب إلى أبعد من ذلك: «سأجمع تواقيع بعض أبناء القبائل وسننشر إعلانا في الصحف تأييدا لرأيك»، فرجوته ألا يفعل كي لا يعتقد الناس مخطئين بأننا في صراع مع شيوخ قبائلنا.
سعد العجمي كان يشاهد سيل الاتصالات المنهمر علي، فغلت الدماء في عروقه ونهض وجلس بجانبي وهمس: «سنقف معك يا بو سلمان»، فقلت له: «أخشى عليك يا سعد»، لكنه كتب مقالة مميزة «في حدها الحد بين الجد واللعب». وبينما اختبأ بعض الكتّاب من أبناء القبائل خلف جدران الخوف والديبلوماسية واكتفوا بالتأييد هاتفيا، صعد سعد العجمي على أعلى قمة الجبل وصرخ بأعلى صوته معلنا موقعه في هذه المعركة الفكرية باهظة الثمن، فدفع التكاليف بنفس راضية كما دفعتها أنا، على أن نجني الأرباح بعد نحو خمس سنوات، وإن كانت المؤشرات تدل على أن جني الأرباح سيكون قبل ذلك، فالكثير من دعوات الغداء والعشاء تلقيتها من أبناء قبيلتي والقبائل الأخرى لإظهار تأييدهم لفكرة «رفض تسييس القبيلة»، وكانوا أشجع وأصدق من بعض الكتّاب أصحاب التأييد الهاتفي.
ما دفعني لاستعادة هذا الشريط، هو مقالتا سعد العجمي اللتان كتبهما عن اعتقاده بأن ثمة اضطرابات في «حركة الاخوان المسلمون»، حدس، وحركة تصحيحية يقودها النائب الدكتور جمعان الحربش. وبالفعل ظهر الحربش في لقاء مع جريدة الراي وتحدث عن وجوب مراجعة بعض الأمور في الحركة.
سعد أثبت، في مقالتيه عن حدس وغيرهما، أنه قارئ جيد للكف السياسي، وصاحب رأي ورؤية، لا مجرد كاتب يسبب الزحمة في صفحة المقالات، أو مسترزق يمدح هذا الوزير أو ذاك الشيخ.
أما بالنسبة لحدس والحربش، فأظن بأن حدس بوجود الحربش تختلف عن حدس من غير الحربش، وهي تدرك ذلك جيدا، فالحربش هو وجه العملة الناصع البياض، وهو المفكر الرزين والنائب الثابت على مواقفه، ووجوده ضرورة. في حين لن ترعد السماء ولن يبكي أطفال حدس لفراق النائب السابق الدكتور دعيج الشمري أو من يشابهه سياسيا. وصحيح أن حدس قامت واستمرت قبل الحربش، لكنه لو انسحب منها الآن لأعلنت الحركة بيع أثاثها «لدواعي السفر».
وإن كان الزميل زايد الزيد مدير تحرير جريدة الآن الإليكترونية قد وصف النائب الدكتور فيصل المسلم في مقالة له بأنه «نائب يعادل كتلة»، فالنائب الدكتور جمعان الحربش «نائب سيعدّل حركة».
جمعان الحربش، ورغم انتمائه لحركة سياسية تقوم على الدين، وهو ما نرفضه رفضا قاطعا ساطعا، إلا أن مصداقيته تتصاعد بين الناس بصورة تخجل أسعار النفط… وهو مكسب للساحة السياسية وللبرلمان وللشعب.

 

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *