فإن كنت خليجيا، أي تنتمي لإحدى دول الخليج العربي، السعودية والكويت تحديدا، وشوهدت تقرأ كتابا في مقهى أثناء سياحتك في دولة عربية، لبنان أو مصر مثلا، أو حتى في أحد مقاهي لندن الشقيقة، ففكر جديا بالهجرة إلى استراليا للحفاظ على ما تبقى من سمعتك، وقبل أن تتساقط عليك قذائف السخرية والاستهزاء، وتكون علكاً بطعم الفراولة يتبادل مضغه اللي ما يسوى واللي ما يسوى، وخذ عندك: «مسكين غابرييل ماركيز الخليج لم يستطع قراءة الكتاب في غرفته في الفندق، فاضطر لقراءته في المقهى، فلا وقت لديه»! وتعال حينها اشرح له بأن أمتع لحظاتك هي الجلوس في مقهى منعزل بعيدا عن أعين الخليجيين المجردة لقراءة الكتب. من سيصدقك يا صديقي المسكين؟ أقسم بأن دمك سيضيع بين القبائل، وسيتناقل صورك – التي التقطت بواسطة الموبايلات – قوافل الشام واليمن… أما إذا بلغت الوقاحة عندك مداها الأحمر وشوهدت متلبسا بقراءة رواية في مقهى في السالمية أو في الرياض، فإنا لله وإنا إليه راجعون، كلنا لها.
الخليجيون عموما، وأكرر، السعوديون والكويتيون تحديدا، بعضهم لا كلهم بالطبع، قوم في السخرية «عند وجهك»، حتى وإن كان الأمر لا يعنيهم ولا يعني أمهم وأبيهم، فالمطلوب فقط هو «قتل الوقت»، والوقت من بني قينقاع، وقتله حسنة والحسنة بعشر أمثالها. والقينقاعي الخبيث هذا، لا يموت إلا بالسخرية من الآخرين. ولو كانت هناك لعبة في الأولمبياد اسمها «الطنازة»، أو الاستهزاء بالناس، لامتلأت المدرجات في مباراة النهائي بين الكويت والسعودية، ولازدحمت مكاتب المراهنات.
لا تقل لي «المصريون هم ملوك النكتة»، فحديثنا في وادٍ آخر. وادي يلعب فيه المصريون «تحت 17 سنة» مقارنة بالسعوديين والكويتيين، ولا يسمح للمصريين بمزاحمة «الكبار» في الملعب. وإن كنت أجزم بتفوق الكويت في النهائي، فالطفل الكويتي بفضل من الله «يعطيك إياها» بين عينيك قبل أن يرتّب الجني ربطة عنقه.
الطنازة علمٌ يمنع الابتكار وكسر المألوف، والابتكار أساس التقدم، ولهذا سيتقدم الكويتيون والسعوديون إن شاء الله بعد أربعمئة وست وخمسين سنة مما تعدّون… الغريب، أن أحدا لا ينافس الكويتي في ثقل الدم سوى السعودي، ومع هذا فلا أحد ينافسهما في «الطنازة»… هل كيف؟