ملاحظة أولى… إذا كانت تغريدة أَطلقت استجواب الوزير الإبراهيم، كما جاء في مانشيت «الجريدة»، فهناك تغريدات أَودعت أصحابها السجون فتراتٍ طويلة، ولا يعني هذا الفهم القاسي للقانون أن يتحمل الإنسان وزر كلامه، بقدر ما يعني سوء مثل تلك التشريعات، ويخبرنا بكمّ الاستبداد التشريعي في الدولة حين يغيب التناسب بين الفعل والعقوبة، والفعل هنا في التغريدات التي هي كلمات بسيطة مكونة من أحرف لا تتعدى العشرات، ومعظمها يعبر عن سخط صاحبه من الوضع السياسي أو يشي بنقد اجتماعي، ومع ذلك في دول تجثم فيها السلطة على صدور الناس تصبح الكلمات والحروف من المحرمات المرعبة.
السلطة هنا ليست فقط سلطة الحكم، أي سلطات الدولة الرسمية، بل تشمل سلطة العادات والتقاليد والقيم الاجتماعية والثقافية، ولو ألقينا نظرة على قانون المطبوعات والنشر، أو قانون حماية الوحدة الوطنية، أو قانون المرئي والمسموع، وهي أمثلة ليست حصرية، وحسَبنا كم مرةً تتردد كلمة «يحظر»، لعرفنا أي نكتة سمجة نكررها حين نتحدث عن حرية الفكر، أو حريات الضمير بمعنى عام.
الملاحظة الثانية نعود بها إلى الوزير الإبراهيم، فالرجل عبر عن إحباطه من مسلسل الاستجوابات التي هي أقرب ما تكون إلى تصفيات سياسية بين نافذين في السلطة، والتي لا يبدو أن لها علاقة بأداء الوزير. المضحك، وهذا من باب شر البلية ما يضحك، أن عدداً من النواب المستظلين تحت خيم السلطة أبدوا سخطهم على تصريح الوزير بأنه يدفع ضريبة الفساد في موضوع استجوابه هذا، ما العيب في ذلك التصريح؟ وأين الجديد فيه؟ فقط ليسأل هؤلاء النواب أنفسهم: كم عدد الاستجوابات في تاريخ مجالس الأمة التي كانت بمنزلة «تصفيات» سياسية وطفت على سطحها انتهازيات خاصة وكانت عقوبة ضد وزير حاول الإصلاح؟ وكم عدد الاستجوابات التي مورست فيها الرقابة الصحيحة على أعمال السلطة التنفيذية؟! قد تضيعون في حساب عددها، في وضع أعوج يمكن أن نرفع فيه مقولة «من أمِن العقوبة أساء الأدب».
ولنا تاريخ عريض مع من أساءوا الأدب، ومع ذلك أمِنوا العقاب! ربما، وبحكم خبرات هؤلاء النواب، هم لا يضيعون الحسبة بينما ضعنا بدورنا في حسابها، فالاستجوابات أو الأسئلة البرلمانية التي كثيراً ما كان يراد بها الحفاظ على الصالح العام، إن صحت التسمية، انتهت بأصحابها، حين أبعدوا عن النيابة البرلمانية، بمرسوم الصوت الواحد، إلى غرف المحاكم بشتى الاتهامات، بينما استجوابات التمويه والتزييف، وهي استجوابات الفساد، انتهت إلى إبعاد المخلصين عن مواقع المسؤولية وتكريس الفاسدين مكانهم… فأين الخطأ في تصريح الإبراهيم؟ لم يضف جديداً… قرر واقعاً، فلماذا تنكرونه عليه وعلينا؟
***
ملاحظة: بعد كتابة المقال، نشر خبر تقديم الإبراهيم استقالته لرئيس الوزراء… لنقل: برافو لنواب الصالح العام، أو اليأس العام!