منظر عدد من أعضاء مجلس الأمة وهم يدخلون مبنى البرلمان شاهرين ما يدّعون أنها أسلحتهم غير المرخصة لتسليمها وفق قواعد القانون الجديد مثير للشفقة، وإن كان هؤلاء النواب قصدهم التباهي بتطبيق القانون، ذلك أن المشاهد المسرحية لممارسات المجلس الحالي يبدو أنها من أجل استقطاب الأضواء بعدما تحولت السلطة التشريعية إلى مَعْلم مظلم في عهدهم.
أمثال هؤلاء الأعضاء المسلحين أدانوا أنفسهم بالدرجة الأولى، فلم يبروا بقسمهم النيابي باحترام الدستور وقوانين الدولة وهم في كامل الوعي إذا كانوا يخبئون أسلحة غير مرخصة خلافاً للقانون، وبغض النظر عن التشريع الجديد الذي جاء تزويداً لجمع السلاح وفق متطلبات أمنية إضافية، وإذا عذرنا المواطن العادي لجهله بمثل هذه الثقافة القانونية فإن النواب وإن كانوا جاهلين إلا أنهم قريبون، بل هم في عقر دار التشريع، ولو تكلفوا عناء اللجوء إلى مستشاري المجلس لنهروهم عن المشهد السخيف الذي وضعوا أنفسهم فيه، والسقطة القاصمة الأخرى تتمثل بإدخال السلاح إلى مبنى مجلس الأمة، وهو مكان آمن يحظر على أي عسكري دخوله إلا بإذن خاص ووحيد من رئيس المجلس.
أما إذا كانت فلسفة النواب أنهم قدوة للشعب وأن عليهم تسليم أسلحتهم كمبادرة لتشجيع الآخرين فكان الأولى القيام بذلك بعد تصويتهم لتمرير القانون مباشرة، وفي الأماكن المخصصة التي حددوها بالقانون، وأن يكون ذلك في المخافر التابعة لدوائرهم الانتخابية حتى يكونوا بالفعل ذلك النموذج السياسي الذي يستحق أن يحتذى به من قبل ناخبيهم، وكان بإمكانهم أيضاً أن يصطحبوا وسائل الإعلام ليصوروا تلك اللحظات التاريخية، ولكن الجهل مشكلته عويصه!
سابقة النواب اليوم قد تبرر للآخرين من المواطنين أن يتشّرطوا في تسليم أسلحتهم على مزاجهم الخاص، فالأطباء مثلاً من حقهم أن يدعوا لاحتفالية تسليم السلاح في مستشفياتهم، ورجال القانون في محاكمهم، وأساتذة الجامعة في كلياتهم، وموظفو الدولة في مجمع الوزارات، وربع الديوانية في دواوينهم، أما المخافر فقط تخصص للعسكريين والضباط، أما جمع السلاح في البيوت فسوف يقتصر على أمهاتنا وعجائزنا!
الرسالة السياسية للنواب المسلحين في كل الأحوال كانت معبرة وتعكس الواقع، فأعضاؤنا المحترمون برهنوا أنهم مسالمون حتى النخاع، وأن مكان تسليم سلاحهم هو مجلس الأمة، فهم سبق أن سلموا كل أسلحتهم الرقابية وأدوات المحاسبة والمساءلة في قاعة عبدالله السالم بالمجان، وبدون أي قانون رغم أن البلد يطفح بالفساد والرشا و”البلاوي” التي لا تحصى!