الوضع الأمني في المنطقة أخذ في التدهور بصورة متسارعة، إثر الزلزال الربيعي الذي أطاح أنظمة فاسدة ومستبدة حكمت عقوداً كثيرة، ولكنها استُبدلت بقوى فاسدة متخلفة طائفية كانت بكامل جاهزيتها، وحاضرة لسد الفراغ الذي حصل، وزاد الطين بلة ظهور التنظيمات المتطرفة، التي فرّختها هذه القوى الدينية، فخرجت عن عباءتها، وتسلمت القيادة في حرب طائفية لم تستثنِ أحداً، لإقامة خلافة إسلامية جديدة وفق مواصفاتها.
هذا الوضع الجديد فاجأ هذه الحكومات، التي كانت تعيش مرتاحة، معتمدة على أجهزة أمنية، بجميع أشكالها، لحماية كراسيها، وعلى دعم خارجي يوفر لها الحماية الداخلية والخارجية، مقابل امتيازات مهمة تحصل عليها، للاستفادة من المخزون النفطي والموقع الاستراتيجي، وكانت سياسة سهلة ومريحة ومطمئنة، ولكنها فجأة وجدت نفسها في عين العاصفة… تهديد من الشمال، متمثل بالعراق وسورية ولبنان، بتعاطف إيراني، خطر سُميَ بهلال شمالي، فإذا به يتمدد، فيطيح الجدار الجنوبي الدافئ المطمئن، ليتحوَّل إلى خطر يحكم الطوق على أنظمة غير مؤهلة للتعامل معه، ويأتي «داعش»، وغيره من جماعات سُنية متطرفة، ليتزعم هذا الصراع الطائفي المدمر على أنقاض هذه الأنظمة الحاكمة التي أطيح بها.
الغزل الأميركي
وأيضاً زاد الفزع والهلع واشتد ضراوة أمام الغزل الأميركي – الإيراني، واحتمال تسوية لن تأخذ مخاوف هذه الأنظمة بعين الاعتبار.
هذه الأطراف نسيت أن النفط والموقع الجغرافي المميَّز فقدا أهميتهما أمام التطور التقني العالمي، الذي أخذ يعصف بالثوابت التاريخية المعروفة، التي اطمأن إليها الكثيرون، لمحدودية معرفتهم بما يجري في العالم.
كيري وزير خارجية أميركا جاء ليريح أعصاب الأصدقاء، باستعداد بلاده لتزويد المنطقة بأنظمة دفاعية حديثة، فهي مفيدة، وإن تضخمت تكلفتها، فدولارات النفط كثيرة، وهي أيضاً مفيدة لإنعاش الاقتصاد الأميركي، فتعزز قدراتها المالية والعسكرية في العالم، مع أن الجميع يعلم بأن هذه المنظومة الدفاعية لم توفر الأمان لإسرائيل ولم تحمها من الرعب الذي تعيش فيه.
التعدي على الدستور
إن ما يُثير الألم والحزن، أن نرى السلطة عندنا أصبحت جزءاً من هذه «الهيصة»… لا، بل صرنا نشاهد اتخاذ إجراءات أمنية وسياسة محيّرة، وكأننا نحاول أن نكون نسخة طبق الأصل من المتوترين المصابين بالهلع، بل نشهد تغييراً كاملاً لكل ما هو موروث كويتي ميَّزنا عن الجميع، فصرنا كما يقول المثل «رايح للحج والناس راجعة».
إن الإجراءات الأمنية المشددة التي لم نعرفها من قبل، ومحاربة الرأي الآخر، والتشديد في الرقابة والعقوبة لكل مَن يريد أن يطرح وجهة نظره في ما يحدث، لأنه يؤثر في حاضره ومستقبل ذريته، قد وصلت إلى حد غير معقول، عندما جعلت الجنسية بيد المباحث، تقرر مَن هو الكويتي ومَن غير كويتي، وفق موقفه السياسي.
إن التعدي على الدستور والقوانين ونهب المال العام وتضييق مساحة الحرية التي يتمتع بها الكويتي منذ القدم، هي أمور بشعة وخطرة لم نتعوَّد عليها، وقد جرَّبنا نتائجها المدمرة في أواخر الثمانينيات… فهل فقدنا البوصلة؟ أم أغرتنا المشيخة الزائدة في المنطقة، ونحن نرى خطورتها أمام أعيننا؟
الكويت التي نعرفها
لماذا تريدون تحويل الكويت إلى بلد للصباح فقط؟ فالمناطق والشوارع أصبحت «صباحية» وتاريخ الكويت أصبح تاريخ الصباح فقط، وأصبحنا ننساق إلى تأليه القادة، كما يحصل في بعض الأنظمة، التي تجيّر كل شيء باسم القائد، وتدعو إلى عبادته، وأُلغي كل دور لأهل الكويت، ولمساهمتهم في تقدُّم البلد والدفاع عنه.
لا أحد ينكر أن الصباح من أوائل من سكن الكويت، ولا ينكر دورهم في حماية الكويت والمحافظة على التعايش السلمي والعمل المشترك لفئات الكويت المختلفة، وهذه الأمور كانت ولاتزال أساسية في نهضة الكويت وتميُّزها عن الآخرين.
هذه هي الكويت التي نعرفها ونفديها، والتي استطاعت أن تعبر كل العواصف التي مرَّت بها، وهي قادرة على الخروج من هذه الأزمة بأمان.
الله يهدي الجميع، ويلهمنا الحكمة والمقدرة، بما وهب لنا من إمكانيات وفيرة.
نحن غير… تقدَّمنا ونجحنا في كل المجالات.
تجربتنا قدوة… حذار التقليد… إحنا غير!
One thought on “قادرون على الصمود أمام هذه الزوبعة إحنا غير!”