في مجال الإبداع ليست هناك أسماء كبيرة وأخرى صغيرة، ما يوجد هو أسماء معروفة بجودة إنتاجها وأسماء مشهورة في مجالها، لذلك لدينا قامة كبيرة مثل إسماعيل فهد إسماعيل، وطاقة شابة مثل سعود السنعوسي، وهنا يكون الإقبال على جديد إصداراتهم أمراً مضموناً ومفهوماً مادامت كل ثمرة جديدة أطيب من سابقاتها. عندما أسمع عن رواية قيد الإصدار للأستاذة ليلى العثمان أحرص على حجز نسختي منها قبل النفاد، لأن ليلى “علامة ثقافية مضمونة” تكفل لي بقلمها دخولاً مؤكداً إلى عالم جديد من الدهشة والإبهار، جملة وحكاية، وأسلوباً ونهاية، وعندما أشعر بركود فكري وتجلط في حواس النقد أسارع إلى مراجعة ما تكتبه القاصة والناقدة باسمة العنزي كي أعرف أين أقف وكيف أنظر.
هناك سلسلة من الأسماء “المعروفة” والجديدة التي فرضت نفسها فوق صهوة “الخيل الإلكتروني”، وهناك العديد من الفضاءات غير الرسمية كملتقى الأديب طالب الرفاعي وملتقى الثلاثاء وملتقى ضفاف، تلك التي خلقت كي تحلق فيها طيور الإبداع بعيداً عن قيود الحسابات السياسية وارتعاشات الحفاظ على “الكرسي”، جميعها بنظري منارات رفعة وعوامل بناء في وطن يندفع نحو هاوية التطرف والغلو بقيادة جوقة من الموظفين الإداريين قلبوا اتجاهات خريطة التنوير ليسيروا في الاتجاه المعاكس.
لقد تابعت قبل أيام مقابلة الأديب والقاص والناقد الدكتور سليمان الشطي المنشورة هنا في جريدة “الجريدة”، وقرأت عن تبرمه من تعسف الرقابة معه وكيف منعت روايته الأخيرة “الورد لك… الشوك لي”، وتوقفت كثيراً عند السطر الذي طالب فيه بوقفة صارمة إزاء هذا التعنت الرقابي وضرورة غربلة أعضاء اللجنة الرقابية.
الدكتور سليمان الشطي شخصية مرموقة في الدولة وحائزة جائزة الدولة التقديرية، وحظي كتابه “الرمز والرمزية في أدب نجيب محفوظ” على جائزة أفضل كتاب عربي في معرض القاهرة عام 2003، وهو من الأسماء المضمونة من ناحية عدم مخالفة قوانين الدولة أو البحث عن الشهرة من خلال إثارة مواضيع رخيصة، ورغم ذلك وصلت النار مؤخراً إلى طرف ثوبه لتحرق كتابه كما حرقت العشرات من قبله.
لقد تمددت نار الرقابة التي جعلتنا “مضحكة ” للمحيط الإقليمي، كما قال الدكتور سليمان الشطي، لأن الأسماء المعروفة، مثل الشطي، اتخذت موقف المتفرج على المحطات الكثيرة لمحارق الرقابة في العقدين الماضيين، لقد اعتصمت القلة أمام معرض الكتاب منذ عام 2006 ضد التعسف الرقابي وكتبت القلة عن مخاطر عمل الرقيب تحت وطأة السياسة والظلاميين الذين اكتشفهم الدكتور الشطي مؤخراً، وتَرك أهل الشأن والمعنيون مباشرة بمضار الرقابة الصفوف الأولى لمعركة تبديد الواقع البائس ثقافياً الذي تعيشه الكويت.
إنني أدعو الدكتور سليمان الشطي إلى البدء في التحرك ضد الرقابة انطلاقاً من رابطة الأدباء، وسنكون معه كما كنا مع غيره، متضامنين متماسكين ضد كل ما يشوه الوجه الحضاري لدولة الكويت وضد المواقف الرمادية والاستغرابات التي لن نسمع غيرها قبل أن نهوي أميالاً أكثر في محرقة الرقابة التي لن تتوقف حتى تحرق كل أقلام الكويت أسمنها قبل أهزلها.