حرية التعبير أساسية للمجتمع المتوازن، تدعمها كل المواثيق الدولية، كما يدعمها الدستور. وأي تعسف في التعرض لتلك الحرية، يعد خروجاً عن المبادئ العامة الحاكمة للمجتمع، وعن روح الدستور (أبو القوانين)، خاصة إن كان ذلك التعبير قد تم بأدوات سلمية، لا تتضمن سباً أو قذفاً شخصياً، ولا تُحرِّض على كراهية، أو تبث فتنة طائفية أو عرقية أو فئوية في المجتمع.
وبالتالي فإن الأحكام بالحبس التي صدرت وما زالت تصدر بتحريكٍ من السلطة التنفيذية، أغلبها ينطلق من مرتكزات سياسية، كنتاج للصراع الذي ساد الساحة السياسية في حقبة السنوات الأربع الماضية، وهو ما يضعفها ويدعو إلى إعادة النظر فيها، وإنهاء ذهنية الملاحقة السياسية التي كان من نتاجها مسلسل سحب الجنسيات، الذي يبدو أنه سيصبح أكثر صعوبةً، بعد الحكم التاريخي الذي أكدت فيه المحكمة أحقيتها بالنظر في شكاوى سحب الجنسية (سلاح دمار شامل)، مما سيسهم في الحد من الاندفاع الحكومي غير المبرر في هذا الاتجاه.
واقع الأمر أن أغلب الأحكام التي صدرت على قضايا رأي وانتهت بالحبس، هي جزء من حقبة مضت، مداخلها سياسية، صار على السلطة التنفيذية تحديداً مراجعتها، والخروج من القمقم الذي لا يبدو أنها قادرة على الخروج منه.
بالطبع لا حاجة لدينا إلى التذكير بأن ما كان يسمى بالأغلبية كانت قد ارتكبت خطيئة كبرى، في غمرة اندفاعها ضد حرية التعبير، عندما أوصلت العقوبة ضد “تويتر” إلى الإعدام، وتواطأت معها الحكومة، ولله الحمد استخدم سمو الأمير حقه الدستوري في إعادة ذلك القانون المعيب، ولنا أن نتخيل لو أن ذلك القانون الذي يعدم البشر على “تويتة” مازال على قيد الحياة، فكم يا ترى سيكون عدد “المتوتين”، الذين يُحاكَمون بمجرد “تويتة”، الذين قد يتم إعدامهم.
الاندفاع المحموم ضد حرية التعبير، سياسياً كان أو من أي شكل، أو من أي جهة، حكومة أو جماعات سياسية أو غيرها، لا يؤدي إلا إلى إضعاف المجتمع، وتفتيته، وتكسيره.
الآن نحن بحاجة إلى ضبط النفس، ومراجعة وسحب كل القضايا المستندة على خلافات سياسية، والسعي إلى الإفراج عن كل المحبوسين، على قضايا رأي، كما كانت مبادرة محمودة سابقة لصاحب السمو أمير البلاد، عندما عفا عن المحكومين بهذا الخصوص، وسموه الوحيد الذي له هذا الحق بشكل مطلق.
وإلا فإننا سنظل في إعادة إنتاج التضييق على حرية التعبير حتى نوصلها إلى العدم.